
اضطراب التخزين: أسبابه، أعراضه وطرق علاجه
جدول المحتويات
- ما هو اضطراب التخزين القهري؟
- الانتشار والإحصائيات
- أسباب اضطراب التخزين
- العوامل الوراثية والبيولوجية
- العوامل النفسية
- العوامل البيئية والتربوية
- أعراض اضطراب التخزين
- الأعراض النفسية
- الأعراض السلوكية
- الأعراض الاجتماعية والوظيفية
- تشخيص اضطراب التخزين
- متى يتحول السلوك الطبيعي إلى اضطراب؟
- علاج اضطراب التخزين
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
- العلاج الدوائي
- العلاج الأسري والدعم الاجتماعي
- التأهيل البيئي
- الآثار النفسية والاجتماعية لاضطراب التخزين
- الوقاية من اضطراب التخزين
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتكثر فيه المتغيرات النفسية والاجتماعية، تظهر مجموعة من الاضطرابات النفسية التي قد تمر دون ملاحظة، رغم تأثيرها الكبير على جودة الحياة. من بين هذه الاضطرابات، يبرز اضطراب التخزين القهري، الذي غالبًا ما يُساء فهمه أو يُختزل في كونه مجرد “حب التكديس”. لكن الواقع أن هذا الاضطراب هو حالة نفسية معقدة تتطلب وعياً وتشخيصاً دقيقاً وتدخلاً علاجياً شاملاً.
اضطراب التخزين القهري ليس مجرد ميل لتجميع الأشياء أو صعوبة في التنظيم، بل هو اضطراب عقلي مدرج ضمن التصنيف التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5) كاضطراب مستقل.
تتسم هذه الحالة بصعوبة شديدة في التخلص من الممتلكات، حتى وإن كانت عديمة الفائدة أو لا تمثل أي قيمة حقيقية، ما يؤدي إلى تكدسها في أماكن المعيشة بشكل يعيق استخدام هذه المساحات لأغراضها الأساسية، ويؤثر سلباً على الجوانب النفسية، والاجتماعية، والوظيفية في حياة الشخص المصاب.
ما هو اضطراب التخزين القهري؟
اضطراب التخزين القهري (Hoarding Disorder) هو اضطراب نفسي مزمن يتميز بصعوبة مستمرة في التخلص من الممتلكات الشخصية أو التخلي عنها، نتيجة ارتباط عاطفي مفرط بهذه الأغراض أو شعور قوي بأن الحاجة إليها ستعود في المستقبل. وتنعكس هذه السلوكيات في صورة تراكم وفوضى تؤثر على بيئة المعيشة وتحد من استخدامها، سواء في المنزل أو مكان العمل.
لا يُنظر إلى اضطراب التخزين على أنه سلوك شاذ منعزل، بل هو عرض معقد يرتبط بأنماط تفكير معينة مثل الخوف من اتخاذ قرارات خاطئة، أو الاعتقاد بأن الأغراض تحمل رمزية خاصة أو أهمية استثنائية.
الانتشار والإحصائيات
تشير الدراسات إلى أن اضطراب التخزين يؤثر على حوالي 2% إلى 6% من السكان البالغين حول العالم، وقد يظهر لأول مرة في سن الطفولة أو المراهقة، لكنه غالباً لا يصبح واضحًا إلا في مراحل لاحقة من العمر. يصيب هذا الاضطراب الرجال والنساء على حد سواء، لكنه قد يظهر بشكل أكثر حدة لدى الأشخاص الأكبر سنًا، حيث يتراكم التخزين بمرور السنوات.
أسباب اضطراب التخزين
مثل معظم الاضطرابات النفسية، لا يوجد سبب واحد محدد يؤدي إلى ظهور اضطراب التخزين القهري، بل تتداخل عدة عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية في نشأته وتطوره. ومن أبرز هذه العوامل:
-
العوامل الوراثية والبيولوجية
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاضطراب.
- خلل في مناطق معينة من الدماغ، خاصةً المرتبطة باتخاذ القرار والمعالجة العاطفية.
-
العوامل النفسية
- ارتباط الاضطراب باضطرابات أخرى مثل اضطراب الوسواس القهري، القلق العام، أو الاكتئاب.
- تدني احترام الذات والاعتماد النفسي على الأشياء لتوفير شعور بالأمان.
-
العوامل البيئية والتربوية
- النمو في بيئة غير مستقرة أو فقيرة.
- التعرض لصدمات نفسية أو فقدان مفاجئ لشخص مقرب.
- الميل لاكتساب السيطرة من خلال الاحتفاظ بالأشياء.
أعراض اضطراب التخزين
يُظهر المصابون باضطراب التخزين القهري مجموعة من الأعراض النفسية والسلوكية الواضحة التي تؤثر على مختلف جوانب حياتهم:
الأعراض النفسية
- قلق شديد عند التفكير في التخلص من الأشياء.
- ارتباط عاطفي غير طبيعي بالممتلكات.
- الشعور بالذنب أو الذعر عند التخلص من أي غرض.
الأعراض السلوكية
- التراكم المستمر للأغراض بشكل غير منظم.
- فشل متكرر في تنظيم المساحات الشخصية.
- إنكار وجود مشكلة رغم الفوضى الواضحة.
الأعراض الاجتماعية والوظيفية
- العزلة الاجتماعية، وتجنب استقبال الضيوف.
- تدهور الأداء المهني أو الدراسي.
- اضطرابات في العلاقات الأسرية.
مقال ذي صلة: الصحة النفسية للرجال أهميتها وكيف تتحق – سايكولوجي دوك
تشخيص اضطراب التخزين
يعتمد التشخيص الدقيق لاضطراب التخزين القهري على مجموعة من المعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). من أبرز هذه المعايير وجود صعوبة مستمرة لدى الشخص في التخلص من الأغراض أو التخلي عنها، سواء كانت ذات قيمة أو لا، وذلك نتيجة شعور قوي بالحاجة للاحتفاظ بها. كما يُلاحظ أن هذا السلوك يؤدي إلى تراكم مفرط للممتلكات، ما يسبب ازدحامًا في الأماكن المعيشية لدرجة تعيق استخدامها بشكل طبيعي.
إلى جانب ذلك، يُشترط في التشخيص أن يكون التخزين مسببًا لضيق نفسي ملحوظ أو لتدهور في الأداء الوظيفي أو الاجتماعي للفرد، وألّا تكون هذه الأعراض نتيجة مباشرة لحالة طبية عضوية أو لاضطراب نفسي آخر مثل الفصام أو اضطراب الوسواس القهري، ما لم يكن التخزين هو السمة المهيمنة.
عادةً ما يُجري الطبيب النفسي مقابلات تفصيلية مع المريض لتقييم طبيعة العلاقة مع الأغراض، وأنماط التفكير والسلوك المتعلقة بها، وقد تشمل المقابلات أفراد الأسرة لتكوين صورة أشمل عن الحالة. كما تُؤخذ في الحسبان ملاحظات بيئية، مثل شكل المنزل وحالة المساحات المعيشية، للمساعدة في تأكيد التشخيص وتقدير درجة شدة الاضطراب.
متى يتحول السلوك الطبيعي إلى اضطراب؟
من الطبيعي أن يحتفظ الإنسان ببعض الأغراض ذات القيمة العاطفية أو المالية، لكن يتحول الأمر إلى اضطراب نفسي عندما:
- يصبح التخزين مفرطًا ويؤدي إلى تكدس وفوضى.
- تسبب هذه الفوضى تقييدًا وظيفيًا في الحياة اليومية.
- يعاني الشخص من ضيق أو قلق نفسي شديد عند التخلص من الأشياء.
- يفقد الشخص القدرة على اتخاذ القرارات بشأن ما يجب الاحتفاظ به وما يجب التخلص منه.
علاج اضطراب التخزين
علاج اضطراب التخزين القهري يتطلب خطة متعددة المحاور تشمل العلاج النفسي، الدوائي، والتأهيلي:
-
العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
هو حجر الأساس في علاج هذا الاضطراب، ويهدف إلى:
- تعديل الأفكار الخاطئة حول أهمية الأغراض.
- تعلم مهارات تنظيم واتخاذ القرار.
- مواجهة القلق المرتبط بالتخلص من الأغراض عبر التعرض التدريجي.
-
العلاج الدوائي:
رغم أن الأدوية لا تُستخدم كعلاج أولي، إلا أنها قد تفيد في الحالات المصاحبة للقلق أو الاكتئاب، وأبرزها:
- مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)
- مثبطات القلق الخفيفة أو المؤقتة
-
العلاج الأسري والدعم الاجتماعي:
- تثقيف الأسرة حول الاضطراب وكيفية دعمه دون مواجهة أو إهانة.
- إشراكهم في العلاج لتشجيع المصاب على التخلص من الفوضى بطريقة تدريجية.
-
التأهيل البيئي:
- إشراك أخصائيي تنظيم محترفين في إعادة ترتيب المساحات المعيشية.
- المتابعة المستمرة لتجنب الانتكاسات.
الآثار النفسية والاجتماعية لاضطراب التخزين
إذا تُرك اضطراب التخزين القهري دون علاج، فإنه قد يقود إلى مجموعة من التداعيات النفسية والاجتماعية الخطيرة التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الفرد. من أبرز هذه التداعيات الشعور المستمر بالذنب والعار نتيجة إدراك المصاب لفوضى ممتلكاته، وما يرافق ذلك من إحساس بعدم القدرة على السيطرة.
كما يؤدي هذا الاضطراب إلى انخفاض ملحوظ في تقدير الذات، حيث يشعر الشخص بالفشل والعجز عن التغيير. ومع مرور الوقت، تنشأ عزلة اجتماعية نتيجة تجنّب استقبال الآخرين أو التفاعل معهم، ما يساهم في تدهور العلاقات الأسرية. ولا يتوقف الأمر عند الجانب العاطفي فقط، بل يمتد ليشمل تأثيرًا سلبيًا على الأداء المهني أو الدراسي، نتيجة الانشغال المفرط بالممتلكات أو الضيق النفسي الناتج عنها.
وفي الحالات الأكثر شدة، قد يتسبب تراكم الأغراض في مشكلات صحية وبيئية ملموسة، مثل زيادة خطر نشوب الحرائق نتيجة تراكم المواد القابلة للاشتعال، أو انتشار الحشرات والقوارض، بل وقد يؤدي إلى إصابات جسدية نتيجة سقوط الأغراض المتراكمة على الأشخاص.
الوقاية من اضطراب التخزين
لا توجد طريقة مضمونة للوقاية من اضطراب التخزين، لكن الاكتشاف المبكر والعلاج المبكر يقللان من تطوره. وتشمل الوقاية:
- التوعية النفسية للأطفال والمراهقين بمفاهيم التنظيم.
- الانتباه للتغيرات السلوكية مثل العزلة والتراكم غير المبرر.
- تحفيز العادات الصحية في الاحتفاظ والتخلص من الممتلكات.
- مراجعة أخصائي نفسي فور ظهور الأعراض.
في الختام
اضطراب التخزين القهري ليس مجرد فوضى منزلية أو ميل زائد للاحتفاظ بالأشياء، بل هو اضطراب نفسي حقيقي ومعقّد يستدعي التدخل الطبي المتخصص. التشخيص المبكر والتعامل العلاجي المتكامل قادران على تحسين حالة المصاب بشكل كبير، ومساعدته على استعادة نمط حياة صحي ومنظم.
من المهم أن ننتقل من وصم المصابين بهذا الاضطراب إلى تفهمهم ودعمهم، وأن ندرك أن العلاج ليس فقط للتنظيف المادي، بل لإعادة ترتيب المشاعر والعلاقات والثقة بالنفس.
المصادر:
Hoarding disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
Hoarding Disorder: What It Is, Causes, Symptoms & Treatment
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا