اضطراب الآنية أو اضطراب تبدد الشخصية هو حالة نفسية يشعر فيها الشخص بأنه منفصل عن ذاته أو محيطه، وكأنما يعيش في حلم أو كأنه يشاهد نفسه من بعيد. يعاني الأفراد المصابون بهذا الاضطراب من تجارب مشوشة وغير واقعية، مما يجعلهم يشعرون بالقلق والضيق.
على الرغم من أن اضطراب الآنية ليس نادرًا، إلا أنه غالبًا ما يُساء فهمه، ويعتبره البعض حالة غامضة ومعقدة. لهذا في هذه المقالة اليوم سوف نتعرف أكثر على هذه الاضطراب وعلاماته وطرق علاجه.
ما هو اضطراب الآنية؟
اضطراب الآنية[1] هو أحد اضطرابات الشخصية التي تتسم بالشعور بالتغير في الإدراك الذاتي أو البيئة المحيطة. يمكن أن يحدث هذا الاضطراب بشكل مؤقت أو مستمر، وقد يؤثر بشكل كبير على نوعية حياة الشخص.
الأعراض الشائعة لاضطراب الآنية
تتراوح أعراض اضطراب الآنية[2] بين مشاعر الانفصال عن الذات إلى تجارب تشوه الإدراك. ومن أبرز هذه الأعراض:
- الشعور بالتباعد عن الذات
- التشوه في إدراك المحيط
- الإحساس بالتخدير العاطفي
- القلق والارتباك
- الشعور بالانفصال عن الواقع
أسباب اضطراب الآنية
تتنوع أسباب اضطراب الآنية[3] بين العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية. يمكن أن تلعب عدة عوامل دورًا في ظهور هذا الاضطراب، ومن بينها:
العوامل النفسية
- الصدمات النفسية: التعرض لتجارب صادمة في الطفولة أو البلوغ يمكن أن يؤدي إلى تطور اختلال الآنية كآلية دفاعية.
- الضغوط النفسية: التعرض للضغوط النفسية المستمرة يمكن أن يزيد من احتمال ظهور الأعراض.
- اضطرابات القلق والاكتئاب: الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق أو الاكتئاب قد يكونون أكثر عرضة لتطوير اختلال الآنية.
العوامل البيولوجية
- اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ: تشير الدراسات إلى أن التغيرات في كيمياء الدماغ، مثل انخفاض مستويات بعض الناقلات العصبية، يمكن أن تؤدي إلى اختلال الآنية.
- العوامل الوراثية: قد يكون للوراثة دور في زيادة خطر الإصابة بهذا الاضطراب.
العوامل الاجتماعية
- البيئة المحيطة: يمكن أن يؤثر التوتر الناتج عن البيئة الاجتماعية المحيطة على تطور اضطراب الآنية.
- العلاقات الشخصية: يمكن أن تؤدي العلاقات العاطفية المضطربة أو الضاغطة إلى زيادة مشاعر الانفصال والتشويش.
الفرق بين اضطراب الآنية واضطرابات أخرى
يمكن أن يتشابه اضطراب الآنية مع بعض الاضطرابات النفسية الأخرى، مما قد يسبب تحديات في التشخيص. من المهم فهم الفروق بين اضطراب الآنية والاضطرابات الأخرى لتحقيق دقة أكبر في التشخيص وتوفير العلاج المناسب.
أولاً، اضطراب القلق: على الرغم من أن اضطراب القلق العام واختلال الآنية يمكن أن يشتركا في بعض الأعراض، إلا أن هناك فرقًا جوهريًا بينهما. في حين أن القلق قد يكون مصاحبًا لاضطراب الآنية، فإن الأخير يتميز بشكل رئيسي بمشاعر الانفصال عن الذات والمحيط. الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق العام غالبًا ما يختبرون قلقًا مفرطًا ومستمرًا حول الحياة اليومية والمستقبل، بينما يميل الأفراد المصابون باختلال الآنية إلى الشعور بأنهم منفصلون عن أنفسهم أو عن العالم من حولهم.
ثانيًا، الفصام: يعد الفصام أحد الاضطرابات النفسية الشديدة التي تشمل أعراضًا مثل الهلوسات والأوهام. هذه الأعراض تجعل الفصام مختلفًا عن اضطراب الآنية. بينما يركز اختلال الآنية على تشوهات الإدراك الشخصي مثل الإحساس بالانفصال عن الذات، فإن الفصام يشمل تغيرات إدراكية أكثر تطرفًا مثل رؤية أو سماع أشياء غير موجودة (الهلوسات) أو تبني معتقدات غير واقعية وغير صحيحة (الأوهام).
ثالثًا، اضطرابات الهوية التفارقية: يعتبر اضطراب الهوية التفارقية من الحالات التي تتميز بوجود هويات متعددة أو حالات هوية متميزة داخل الفرد الواحد. هذه الهويات قد تختلف في السلوك، الذاكرة، وحتى الشخصية. على الجانب الآخر، يعاني المصابون باختلال الآنية من تشوهات في الإدراك الذاتي، حيث يشعرون بالانفصال عن هويتهم دون تغير فعلي أو تعدد في الهوية كما هو الحال في اضطراب الهوية التفارقية.
فهم هذه الفروق الدقيقة بين اضطراب الآنية والاضطرابات النفسية الأخرى يساعد في توجيه الأطباء والمعالجين النفسيين نحو التشخيص الدقيق والعلاج الفعال، مما يمكن الأفراد من الحصول على الدعم والرعاية التي يحتاجونها لتحسين نوعية حياتهم.
التأثيرات النفسية والاجتماعية لاضطراب الآنية
التأثيرات النفسية لاضطراب الآنية
اضطراب الآنية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد المصابين به. من أبرز التأثيرات النفسية التي قد يسببها هذا الاضطراب هي زيادة معدلات القلق والاكتئاب. الشعور المستمر بالانفصال عن الواقع وعدم الإحساس بالذات يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات القلق والاكتئاب، مما يجعل الحياة اليومية تحديًا مستمرًا لهؤلاء الأفراد.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الأفراد المصابون باضطراب الآنية من صعوبة في التركيز والانتباه. تشوهات الإدراك التي يسببها الاضطراب تجعل من الصعب على الشخص المصاب الحفاظ على التركيز، سواء كان ذلك في المهام البسيطة أو المعقدة. هذه الصعوبة في التركيز يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على أداء الأفراد في الحياة اليومية، سواء في العمل أو الدراسة.
وأخيرًا، الإجهاد الناتج عن محاولة التعامل مع أعراض اختلال الآنية يمكن أن يسبب شعورًا دائمًا بالتعب والإرهاق. الأفراد المصابون يبذلون جهدًا كبيرًا في محاولة التكيف مع حالتهم، وهذا الجهد النفسي والعاطفي يؤدي إلى الإرهاق البدني والنفسي، مما يضيف عبئًا إضافيًا على حياتهم اليومية.
التأثيرات الاجتماعية لاضطراب الآنية
تتعدى تأثيرات اضطراب الآنية إلى الحياة الاجتماعية للفرد، حيث يمكن أن يؤدي هذا الاضطراب إلى الانعزال الاجتماعي. الأفراد المصابون باضطراب الآنية غالبًا ما يشعرون بالغربة والانفصال عن الآخرين، مما يدفعهم إلى تجنب التفاعل الاجتماعي. هذا الانعزال يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الشخصية، حيث يصبح من الصعب على الشخص المصاب التواصل والتفاهم مع الآخرين، وقد يشعر المحيطون به بالارتباك أو الانزعاج من حالته.
علاوة على ذلك، فإن اختلال الآنية يمكن أن يؤثر سلبًا على الأداء المهني أو الأكاديمي للفرد. بسبب صعوبة التركيز والانتباه، قد يجد الأشخاص المصابون أنفسهم غير قادرين على القيام بمهامهم بكفاءة في العمل أو الدراسة، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأداء وظهور مشاكل في المجالين المهني والأكاديمي.
مقال ذي صلة: العلاج النفسي الجماعي: أهدافه، أنواعه وتطبيقاته
العلاجات المتاحة لاضطراب الآنية
هناك مجموعة من العلاجات الفعالة التي يمكن أن تساعد في تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب الآنية[4].
من المهم العمل مع متخصص في الصحة النفسية لتحديد أفضل خطة علاجية فردية.
العلاج النفسي
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد في تغيير الأفكار والسلوكيات السلبية المرتبطة بالاضطراب. يمكن أن يتضمن تعلم تقنيات التحكم في القلق واستراتيجيات مواجهة الأعراض.
- العلاج الديناميكي النفسي: يهدف إلى استكشاف العوامل اللاواعية التي تساهم في اضطراب الآنية وفهم العلاقات السابقة والتجارب الصادمة.
- العلاج بالتعرض التدريجي: يتضمن تعريض الشخص للمواقف التي تثير الأعراض بشكل تدريجي وتحت إشراف معالج، مما يساعد على تقليل الاستجابة الانفصالية.
العلاج الدوائي
- الأدوية المضادة للاكتئاب: يمكن أن تساعد في تقليل الأعراض المرتبطة بالقلق والاكتئاب، والتي غالبًا ما تصاحب اختلال الآنية.
- الأدوية المضادة للقلق: تستخدم للتخفيف من مستويات القلق والتوتر، لكن يجب استخدامها بحذر لتجنب الإدمان.
التقنيات البديلة والداعمة
- التأمل واليوغا: تساعد هذه التقنيات في تحسين الاسترخاء والتواصل مع الذات، مما يمكن أن يساهم في تخفيف الأعراض.
- العلاج بالفنون: يستخدم التعبير الفني كوسيلة للتواصل وفهم الذات، مما يمكن أن يكون مفيدًا في معالجة مشاعر الانفصال.
في الختام
اختلال الآنية هو حالة نفسية معقدة تؤثر على الإدراك الشخصي والواقع المحيط. يمكن أن يكون له تأثير كبير على الحياة اليومية والعلاقات الشخصية، ولكنه قابل للعلاج والتحسين من خلال مجموعة متنوعة من العلاجات النفسية والدوائية.
من المهم للأفراد المصابين بهذا الاضطراب البحث عن الدعم المهني واستخدام الاستراتيجيات الذاتية لتحسين نوعية حياتهم. كما يجب على المجتمع فهم هذه الحالة بشكل أفضل وتقديم الدعم للأشخاص الذين يعانون منها لتحقيق حياة أكثر توازنًا وسعادة.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا