اضطراب الاغتراب عن الواقع: أسبابه، أعراضه وطرق علاجه

اضطراب الاغتراب عن الواقع هو حالة نفسية معقدة تتصف بشعور الفرد بانفصال أو انفكاك عن ذاته أو عن البيئة المحيطة به. يعاني المصابون به من مشاعر غير طبيعية تؤثر على إدراكهم لأنفسهم وللعالم من حولهم، مما يسبب لهم ضيقًا نفسيًا شديدًا ويؤثر على جودة حياتهم اليومية. يضم هذا الاضطراب نوعين رئيسيين من الانفصال النفسي: الانفصال عن الذات (Depersonalization)، حيث يشعر الشخص بأنه مراقب لحياته من الخارج، والانفصال عن الواقع الخارجي (Derealization)، حيث تبدو البيئة المحيطة غريبة أو غير حقيقية. يتطلب اضطراب الاغتراب عن الواقع تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا فعالًا نظراً لتأثيره الكبير على الوظائف النفسية والاجتماعية.

تعريف اضطراب الاغتراب عن الواقع

يندرج اضطراب الاغتراب عن الواقع تحت مجموعة اضطرابات الانفصال (Dissociative Disorders)، وهي اضطرابات تتميز بحدوث انفصال في الوعي، أو الذاكرة، أو الهوية، أو الإدراك. في هذا الاضطراب، يعاني الفرد من واحدة أو كلا الظاهرتين الرئيسيتين:

• اضطراب انفصال الشخصية (Depersonalization): هو شعور الفرد بأنه منفصل عن جسده أو عقله، وكأنه يراقب نفسه من الخارج. قد يشعر وكأنه يتحرك آليًا أو أنه في حالة حلم، مع عدم التماسك بين الشعور بالذات والتجربة الحسية.
• اضطراب الانفصال عن الواقع الخارجي (Derealization): هو شعور بعدم واقعية المحيط الخارجي، حيث تبدو الأشياء والعالم المحيط كما لو كان بعيدًا أو مشوهًا أو داخل حلم، مما يسبب شعورًا بالغربة عن البيئة.

في بعض الأحيان، يعاني المصابون من كلا الاضطرابين معًا، مما يزيد من الشعور بالارتباك والقلق.

انتشار الاضطراب

تشير الدراسات إلى أن اضطراب الاغتراب عن الواقع شائع إلى حد ما بين عموم الناس، حيث يُقدر أن حوالي 1-2% من السكان يعانون من الشكل المزمن للاضطراب. أما حالات الانفصال المؤقتة فتحدث بشكل أكبر خلال فترات التوتر أو الأزمات النفسية.

يُلاحظ أن اضطراب الاغتراب يبدأ عادة في فترة المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ، وهو أكثر شيوعًا بين النساء مقارنة بالرجال، على الرغم من أن الفروقات ليست كبيرة جدًا.

أسباب اضطراب الاغتراب عن الواقع

1. العوامل النفسية

تُعد الصدمات النفسية من أهم العوامل المؤدية لاضطراب الاغتراب عن الواقع، خاصة الصدمات التي تتعلق بالعنف أو الاعتداءات الجسدية أو النفسية، أو فقدان شخص عزيز بشكل مفاجئ. يُعتقد أن اضطراب الاغتراب هو آلية دفاع نفسي تساعد الفرد على الابتعاد عاطفيًا عن تجربة مؤلمة أو مهددة.

الضغوط النفسية المزمنة، مثل القلق الشديد أو الاكتئاب، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى ظهور أعراض الاغتراب كطريقة للحفاظ على استقرار نفسي مؤقت.

2. العوامل العصبية والكيميائية

تشير الدراسات العصبية الحديثة إلى وجود خلل في بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن الإدراك الحسي والوعي الذاتي، مثل القشرة الجبهية الأمامية، والقشرة الحزامية، واللوزة الدماغية.

التغيرات في مستويات النواقل العصبية مثل السيروتونين، والغلوتامات، والدوبامين قد تؤثر على التواصل بين خلايا الدماغ، مما يسبب اضطرابات في إدراك الذات والواقع.

3. العوامل البيولوجية

يُعتقد أن هناك استعدادًا وراثيًا للاضطراب لدى بعض الأشخاص، حيث تبين وجود عوامل جينية تزيد من احتمال الإصابة.

4. العوامل البيئية

تعاطي بعض المواد المخدرة، خصوصًا المنشطات والمواد التي تغير الإدراك مثل الفطريات المخدرة، يمكن أن يحفز ظهور أعراض الاغتراب أو يفاقمها.

مقال ذي صلة: اضطراب الفصام: الأعراض، الأسباب والعلاج

أعراض اضطراب الاغتراب عن الواقع

أعراض اضطراب انفصال الشخصية (Depersonalization)

• شعور كأن الشخص خارج جسده يراقب نفسه.
• فقدان الإحساس بالسيطرة على الأفكار أو الأفعال.
• شعور بالاغتراب عن المشاعر أو الانفصال عن التجارب الحسية.
• الإحساس بأن الجسم أو الأعضاء غير حقيقية أو مشوهة.
• اضطراب في إدراك الوقت، كأن الأحداث تحدث ببطء شديد أو بسرعة غير طبيعية.

أعراض اضطراب الانفصال عن الواقع الخارجي (Derealization)

• إحساس بأن العالم المحيط غير حقيقي أو كما لو كان في حلم.
• الشعور بأن الأشخاص أو الأشياء تبدو غريبة أو مشوهة.
• تغير في إدراك الأصوات أو الألوان أو الأبعاد.
• شعور بالعزلة أو الانعزال عن المحيط.

الأعراض المصاحبة

• قلق وخوف من فقدان السيطرة أو الجنون.
• اكتئاب أو اضطرابات مزاجية.
• اضطرابات النوم.
• صعوبة في التركيز والتذكر.
• إحساس بالتعب الذهني أو النفسي.

تشخيص اضطراب الاغتراب عن الواقع

يُعتمد في تشخيص اضطراب تبدد الواقع أو الاغتراب عن الذات على عملية تقييم دقيقة تتم من خلال المقابلة السريرية التي يُجريها الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي. خلال هذه المقابلة، يتم جمع معلومات تفصيلية حول الأعراض التي يعاني منها المريض، إضافة إلى تاريخه النفسي، والعوامل أو الظروف البيئية والاجتماعية التي قد تكون ساهمت في ظهور هذه الأعراض.

يُستند كذلك إلى المعايير التشخيصية المحددة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، والتي تشمل وجود نوبات متكررة أو مستمرة من الشعور بالاغتراب عن الذات أو الانفصال عن الواقع الخارجي، على أن تكون هذه النوبات مزعجة للمريض وتؤثر سلبًا على أدائه الاجتماعي أو المهني. كما يُشترط أن لا تكون هذه الأعراض ناتجة عن استخدام مواد مخدرة أو اضطرابات جسدية، وألّا تكون جزءًا من اضطرابات نفسية أخرى مثل الفصام أو اضطراب الهوية الانفصالية.

كجزء من التشخيص الدقيق، تُجرى فحوصات طبية لاستبعاد أي حالات جسدية قد تُسبب أعراضًا مشابهة، مثل اضطرابات في الجهاز العصبي، نوبات صرع، أو مشاكل في الغدة الدرقية، ويتم ذلك من خلال التحاليل المخبرية أو الفحوصات التصويرية عند الحاجة.

طرق علاج اضطراب الاغتراب عن الواقع

1. العلاج النفسي

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر العلاجات فاعلية لاضطراب الاغتراب، حيث يساعد المريض على التعرف على الأفكار المشوهة التي تزيد من شعوره بالانفصال، وتعلم استراتيجيات للتعامل مع هذه الأفكار وتعديلها.
• العلاج الديناميكي: يركز هذا العلاج على استكشاف الجذور النفسية للصدمات التي قد أدت للاضطراب، ويساعد في إعادة بناء الاتصال النفسي مع الذات والواقع.
• تقنيات الاسترخاء والتأمل: تساعد تقنيات التنفس العميق، والتأمل، واليوغا في تخفيف التوتر والقلق، مما يساهم في تقليل نوبات الاغتراب.

2. العلاج الدوائي

لا يوجد دواء معتمد خصيصًا لعلاج اضطراب الاغتراب، لكن بعض الأدوية قد تخفف الأعراض المرتبطة مثل القلق والاكتئاب، وتشمل:

• مضادات الاكتئاب مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs).
• مضادات القلق، مع الحذر من الاستخدام طويل الأمد لتجنب الإدمان.
• أدوية أخرى قد تُستخدم في بعض الحالات تحت إشراف طبي دقيق.

3. العلاج التكاملي والدعم الاجتماعي

يشمل توفير بيئة داعمة من العائلة والأصدقاء، والتثقيف النفسي حول طبيعة الاضطراب، وتحفيز المريض على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والوظيفية.

الوقاية من اضطراب الاغتراب عن الواقع

للوقاية من تفاقم أعراض اضطراب الاغتراب عن الذات أو الواقع، تُوصى باتباع مجموعة من الاستراتيجيات الوقائية التي تركز على تعزيز الصحة النفسية العامة والاستقرار النفسي. من أبرز هذه الاستراتيجيات الحفاظ على توازن نمط الحياة، من خلال النوم الكافي، وتناول غذاء صحي ومنتظم، مما يساعد في دعم وظائف الدماغ وتحسين المزاج. كما تُعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وسيلة فعالة لتقليل التوتر وتحسين الإحساس بالذات.

من المهم أيضًا تجنب المواد المخدرة والكحول، إذ يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأعراض أو تحفيزها من الأساس. كما يُنصح بـ تعلم تقنيات إدارة التوتر والقلق، مثل التأمل، وتمارين التنفس، والعلاج السلوكي المعرفي، والتي تساعد في التعامل مع الضغوط اليومية بطريقة صحية. وعند ظهور أولى مؤشرات الاغتراب أو الانفصال عن الواقع، ينبغي البحث المبكر عن الدعم النفسي لتقليل فرص تطور الحالة.

في الختام

اضطراب الاغتراب عن الواقع هو اضطراب نفسي معقد يؤثر على إدراك الفرد لذاته والبيئة المحيطة، مما يسبب شعورًا بالغربة والانفصال. على الرغم من أنه قد يكون مخيفًا ومربكًا، إلا أن هناك العديد من الخيارات العلاجية الفعالة التي يمكن أن تساعد المرضى على استعادة توازنهم النفسي والعيش حياة طبيعية. التشخيص المبكر والدعم النفسي والعلاج المناسب هما الركيزتان الأساسيتان للشفاء والتحسن.

 

المصادر:

Depersonalization-derealization disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic

Derealization: Symptoms, Causes, Diagnosis, and Treatment

Depersonalization-Derealization Disorder: Causes & Treatment

Dissociative disorders – NHS

Depersonalization-Derealization Disorder: Etiological Mechanism, Diagnosis and Management – PMC