
اضطراب الأكل الاجتراري: أسبابه وطرق علاجه
جدول المحتويات
تُعد اضطرابات الأكل من أكثر المشكلات النفسية والجسدية التي تؤثر على صحة الإنسان وجودته في الحياة، وتشمل مجموعة متنوعة من السلوكيات المرتبطة بالعلاقة بين الشخص والطعام، مثل فقدان الشهية العصبي، الشره المرضي، واضطرابات أخرى أقل شيوعًا لكنها مهمة، منها اضطراب الأكل الاجتراري. هذا الاضطراب لا يحظى بنفس القدر من الوعي مثل غيره من اضطرابات الأكل، لكنه يحمل تأثيرات صحية ونفسية خطيرة تتطلب فهماً دقيقاً وعلاجاً مناسباً.
اضطراب الأكل الاجتراري هو حالة تتميز بسلوك غير طبيعي يتمثل في إعادة جلب الطعام الذي تم ابتلاعه إلى الفم بعد فترة قصيرة من تناوله. قد يقوم الشخص بمضغ الطعام مرة أخرى، أو ابتلاعه ثانية، أو بصقه. هذه الحالة قد تسبب إحراجًا اجتماعيًا، مشاكل صحية متعددة، إضافة إلى التأثير السلبي على الحالة النفسية للمريض.
يهدف هذا المقال إلى تقديم شرح شامل ومفصل عن اضطراب الأكل الاجتراري، بمحتوى مبسط وسهل الفهم، ليكون مرجعًا مفيدًا للباحثين والمهتمين في المجال النفسي والطبي، مع مراعاة الأبعاد العلمية والطبية.
مفهوم اضطراب الأكل الاجتراري
اضطراب الأكل الاجتراري هو اضطراب نفسي وجسدي يتصف بسلوك متكرر يتمثل في قيام الشخص بإعادة الطعام الذي بلعه إلى الفم، وإعادة مضغه أو ابتلاعه مرة أخرى، أو بصقه. هذا السلوك يكون متكررًا وغير موجه إلى التقيؤ، أي أنه لا يصاحبه عادة الشعور بالغثيان أو الرغبة في التخلص من الطعام، كما يحدث في حالات القيء المتعمد.
هذا الاضطراب مختلف عن السلوكيات الطبيعية في حالات القلق أو التوتر، فهو عادة مستمر ويدوم لفترة زمنية طويلة تتجاوز الشهر، مما يجعله حالة مرضية بحاجة إلى علاج.
يرتبط اضطراب الاجترار أحيانًا بحالات نفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب، كما أنه شائع في بعض الفئات مثل الأطفال الصغار، الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، وبعض مرضى الجهاز العصبي. يمكن أن يؤدي إلى سوء تغذية حاد، مشاكل في الأسنان، والتهابات متكررة في الجهاز الهضمي.
أعراض اضطراب الأكل الاجتراري
تظهر أعراض اضطراب الأكل الاجتراري عادة بعد تناول الطعام بفترة قصيرة، حيث يقوم المصاب بإعادة جلب الطعام المهضوم جزئيًا أو كاملًا من المعدة إلى الفم. في البداية، قد لا ينتبه المحيطون لهذا السلوك، لكنه سرعان ما يصبح واضحًا ومتكررًا، خصوصًا عند الأطفال أو ذوي الإعاقات.
من أبرز الأعراض النفسية والاجتماعية لهذا الاضطراب الشعور بالخجل والحرج من السلوك، والذي قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية أو تجنب المواقف التي يمكن أن تتطلب الأكل أمام الآخرين. كما قد يصاحب الحالة شعور بالإحباط أو القلق نتيجة لفقدان السيطرة على السلوك.
أما على الصعيد الجسدي، فقد يعاني المصاب من فقدان الوزن المفاجئ نتيجة لسوء الامتصاص الغذائي، كما يمكن أن تظهر عليه علامات سوء التغذية مثل التعب المستمر، ضعف المناعة، ومشاكل في الجلد والشعر. بالإضافة إلى ذلك، قد تحدث مضاعفات متعلقة بالفم مثل التهابات اللثة، تسوس الأسنان، وتآكل المينا بسبب التعرض المستمر للحمض المعدي.
علاوة على ذلك، فإن الاجترار المستمر يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في المعدة والمريء، مثل التهابات وقرح ناتجة عن تعرض هذه الأعضاء للطعام المعاد والمحتوي على حمض المعدة.
أسباب اضطراب الأكل الاجتراري
- العوامل النفسية: القلق، التوتر، والاكتئاب من أكثر العوامل التي تساهم في ظهور اضطراب الاجترار.
- الإعاقة الذهنية: وجود تأخر عقلي أو إعاقة ذهنية يزيد من احتمالية الإصابة بهذا الاضطراب، حيث يكون السلوك في بعض الأحيان وسيلة للتكيف مع المواقف الصعبة.
- الإهمال أو سوء الرعاية في الطفولة: غياب الدعم الأسري أو تعرض الطفل للإهمال يمكن أن يؤدي إلى ظهور سلوكيات اجترارية كنوع من رد الفعل النفسي.
- الاضطرابات العضوية: بعض الأمراض المرتبطة بالجهاز الهضمي مثل الجزر المعدي المريئي أو اضطرابات الحركة المعوية تزيد من احتمالية إعادة جلب الطعام.
- التعلم السلوكي: قد يتعلم الطفل هذا السلوك من خلال ملاحظة الآخرين أو كرد فعل لتخفيف التوتر.
- البيئة الاجتماعية: ضعف الدعم الاجتماعي أو وجود بيئة أسرية مضطربة تحفز ظهور هذا الاضطراب.
- العوامل العصبية: خلل في بعض الوظائف العصبية قد يؤثر على التحكم في السلوكيات التلقائية.
أنواع اضطراب الأكل الاجتراري
- الاجترار النمائي: شائع في الرضع والأطفال الصغار، وعادة ما يكون مؤقتًا ويختفي مع النمو.
- الاجترار المزمن: يستمر لفترات طويلة وقد يصاحب اضطرابات نفسية أو عقلية أخرى.
- الاجترار المرتبط بالإعاقة الذهنية: يظهر عند الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، ويكون أكثر تعقيدًا وصعوبة في العلاج.
- الاجترار المرتبط بالأمراض العضوية: يحدث نتيجة مشاكل عضوية مثل الجزر المعدي أو اضطرابات في الجهاز الهضمي.
طرق تشخيص اضطراب الأكل الاجتراري
تشخيص اضطراب الأكل الاجتراري يتطلب فحصًا شاملاً من قبل أخصائي نفسي أو طبيب نفسي، مع تقييم دقيق للحالة السريرية والتاريخ المرضي. يعتمد التشخيص على معايير محددة في دليل DSM-5، والتي تتطلب استمرار السلوك الاجتراري لمدة لا تقل عن شهر، مع استبعاد الأسباب العضوية أو الحالات الأخرى التي قد تفسر هذا السلوك.
يقوم الطبيب بجمع المعلومات من المريض أو ولي أمر الطفل حول تكرار السلوك، توقيت ظهوره، ومدى تأثيره على الصحة النفسية والجسدية. يتم إجراء فحوصات طبية لاستبعاد أمراض الجهاز الهضمي أو الاضطرابات العضوية الأخرى التي قد تسبب قيءًا متكررًا.
التشخيص الدقيق ضروري لتفريق اضطراب الاجترار عن حالات مثل اضطراب القيء المتعمد أو اضطرابات الأكل الأخرى، لضمان اختيار العلاج الأنسب.
طرق علاج اضطراب الأكل الاجتراري
- العلاج النفسي السلوكي المعرفي (CBT): يهدف إلى تعديل السلوكيات السلبية وتعليم المريض استراتيجيات التحكم والسيطرة على الاجترار.
- العلاج الأسري: يساعد في توعية أفراد الأسرة وتدريبهم على دعم المريض وإدارة السلوك بفعالية.
- العلاج الدوائي: يُستخدم في بعض الحالات المصاحبة للقلق أو الاكتئاب لتحسين الحالة النفسية وتقليل السلوك الاجتراري.
- المتابعة الطبية المستمرة: لمراقبة الحالة الصحية العامة والوقاية من المضاعفات الجسدية.
- العلاج المهني والتأهيلي: لتحسين مهارات التكيف الحياتي والاجتماعي، خاصة لدى ذوي الإعاقات.
- التدخل المبكر: عند الأطفال الرضع والصغار لتقليل فرص استمرار السلوك مع تقدم العمر.
- تحسين البيئة المحيطة: توفير بيئة هادئة ومستقرة نفسياً تقلل من محفزات الاجترار.
طرق الوقاية من اضطراب الأكل الاجتراري
الوقاية من اضطراب الأكل الاجتراري تعتمد أساسًا على توفير بيئة داعمة صحياً ونفسياً، لا سيما للأطفال الصغار والرضع، حيث يمكن أن تسهم الرعاية الجيدة والدعم الأسري في تقليل فرص ظهور هذا السلوك.
من المهم تعزيز التفاعل الأسري الإيجابي والاهتمام بالتواصل العاطفي مع الأطفال، مما يساعد في تعزيز شعورهم بالأمان والثقة. كذلك، لا بد من مراقبة أي علامات للقلق أو التوتر النفسي المبكر والتدخل الفوري.
في حالات الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، يتطلب الأمر متابعة مستمرة وتوفير برامج تأهيلية مناسبة تهدف إلى تحسين مهارات التواصل والسلوك.
التوعية المجتمعية حول اضطرابات الأكل، وتوفير الموارد النفسية والطبية المناسبة، تساعد بشكل كبير في الوقاية والكشف المبكر.
في الختام
اضطراب الأكل الاجتراري هو حالة معقدة تجمع بين الجوانب النفسية والجسدية، وتحتاج إلى فهم دقيق وعلاج شامل. رغم ندرة هذا الاضطراب مقارنة باضطرابات الأكل الأخرى، إلا أن آثاره على صحة المصابين وجودة حياتهم قد تكون كبيرة، خاصة في حال تأخر التشخيص أو غياب العلاج.
التدخل المبكر، الدعم النفسي، والمتابعة الطبية هي عوامل أساسية في تحقيق تحسن ملحوظ والحد من المضاعفات الصحية والنفسية. من المهم أن يكون هناك وعي أكبر بين المرضى وأسرهم حول طبيعة هذا الاضطراب، ليتمكنوا من طلب المساعدة المناسبة في الوقت المناسب.
المصادر:
Rumination Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf
Rumination Syndrome | Johns Hopkins Medicine
Rumination Syndrome: What It Is, Symptoms and Treatment
Rumination syndrome – Symptoms and causes – Mayo Clinic
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا