اضطراب التوهم المرضي: مفهومه، أسبابه وطرق علاجه
جدول المحتويات
اضطراب التوهم المرضي، المعروف أيضًا باسم اضطراب التوهم المرضي، هو أحد الاضطرابات النفسية التي تتعلق بالقلق الشديد والمستمر بشأن الحالة الصحية، حيث يعتقد الفرد أنه يعاني من مرض خطير رغم غياب الأدلة الطبية التي تثبت ذلك. هذا الاضطراب لا يتعلق بتخيلات بسيطة أو قلق طبيعي على الصحة، بل هو حالة مزمنة تسبب معاناة نفسية حقيقية، وتؤثر على الأداء اليومي والعلاقات الاجتماعية.
مع التطور الطبي الهائل وانتشار المعلومات الصحية عبر الإنترنت، أصبح هذا الاضطراب أكثر بروزًا في العصر الحديث، إذ بات العديد من الأشخاص يبحثون عن أعراضهم بشكل متكرر ويفسرونها بأسوأ الاحتمالات.
في هذه المقالة، سنتناول هذا الاضطراب من جميع جوانبه العلمية والنفسية: تعريفه، أعراضه، أسبابه، أنواعه، طرق تشخيصه، وعلاجه، إضافة إلى سبل الوقاية منه، بأسلوب مبسط يناسب القارئ العام والباحث عن المعرفة النفسية.
مفهوم اضطراب التوهم المرضي
اضطراب التوهم المرضي هو اضطراب نفسي يصنف ضمن اضطرابات القلق، ويتميز بانشغال مفرط ومستمر بصحة الفرد وخوف غير مبرر من الإصابة بمرض خطير، رغم غياب الدليل الطبي أو وجود أعراض طفيفة لا تبرر هذا القلق.
الشخص المصاب بهذا الاضطراب لا يختلق المرض عمدًا كما في الاضطراب المفتعل، بل يقتنع تمامًا بأنه مريض. وغالبًا ما يزور الأطباء بشكل متكرر، ويجري فحوصات متعددة بحثًا عن تأكيد لإصابته، أو على العكس، يتجنب زيارة الأطباء خوفًا من اكتشاف مرض خطير.
يُعد هذا الاضطراب نسخة محدثة من ما كان يُعرف قديمًا بـ”الهيبوكوندريا” (Hypochondriasis)، لكن وفق التصنيف الحديث (DSM-5) تم إعادة تعريفه ليعكس طبيعة القلق المرضي بدقة أكبر.
أعراض اضطراب التوهم المرضي
تظهر أعراض اضطراب التوهم المرضي بشكل تدريجي، وقد تختلف من شخص لآخر، لكنها تتبع نمطًا عامًا يتميز بالقلق المستمر والمبالغة في تفسير الأعراض الجسدية.
يشعر الشخص بأنه يعاني من مرض خطير، مثل السرطان أو أمراض القلب أو الجهاز العصبي، حتى وإن كانت الفحوصات سليمة تمامًا. هذا الاعتقاد لا يمكن طمأنته بسهولة، لأن الطمأنينة التي يحصل عليها من الطبيب تكون مؤقتة، وسرعان ما يعود القلق عند ظهور أي عرض جديد أو حتى إحساس بسيط في الجسد.
قد يقضي المصاب ساعات طويلة في مراقبة جسده بحثًا عن أي علامة للمرض، ويميل إلى البحث عبر الإنترنت عن الأعراض، مما يزيد من قلقه. ويؤدي هذا السلوك إلى إرهاق نفسي شديد، كما قد يتسبب في تدهور العلاقات الأسرية أو العملية بسبب الانشغال المستمر بالصحة.
من أبرز السمات السلوكية لهذا الاضطراب: التردد المفرط على العيادات الطبية، طلب الفحوصات المتكررة، أو على العكس، تجنب الأطباء تمامًا. ويُلاحظ أن المريض يعاني من تقلبات في القلق؛ فبعض الأيام يشعر فيها بالاطمئنان النسبي، بينما تعود نوبات القلق بشدة عند ظهور أي عرض بسيط.
غالبًا ما يصاحب الاضطراب أعراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب، اضطرابات النوم، وسرعة الغضب، نتيجة الإحساس المستمر بالمرض والخوف من الموت.
أسباب أعراض اضطراب التوهم المرضي
تتعدد الأسباب والعوامل المؤدية إلى اضطراب التوهم المرضي، وتشمل:
- عوامل بيولوجية: وجود استعداد وراثي أو خلل في كيمياء الدماغ وخاصة في مناطق تنظيم القلق والانتباه إلى الإشارات الجسدية.
- عوامل نفسية:
- اضطرابات القلق أو الاكتئاب السابقة.
- الحساسية الزائدة تجاه الإحساسات الجسدية.
- وجود نمط تفكير سلبي يفسر الأعراض الجسدية دائمًا بطريقة كارثية.
- عوامل اجتماعية وبيئية:
- التعرض لتجارب مرضية قاسية في الطفولة أو مشاهدة أحد أفراد العائلة يعاني من مرض مزمن.
- الإفراط في استخدام الإنترنت والمواقع الطبية.
- أسلوب تربية يعتمد على القلق المفرط بشأن الصحة.
- عوامل معرفية: سوء تفسير الإشارات الجسدية الطبيعية مثل خفقان القلب أو التعب، واعتبارها علامات أكيدة على مرض خطير.
أنواع أعراض اضطراب التوهم المرضي
يصنف اضطراب التوهم المرضي إلى عدة أنماط وفق سلوك المريض تجاه القلق الصحي:
- النوع الباحث عن الطمأنينة (Care-seeking type): يكثر من زيارة الأطباء، ويجري فحوصات عديدة، وينتقل بين العيادات بحثًا عن تأكيد أو طمأنة دائمة.
- النوع المتجنب (Care-avoidant type): يمتنع عن الذهاب إلى الطبيب خوفًا من اكتشاف مرض خطير، رغم معاناته من القلق الشديد.
- النوع المتقلب: يجمع بين السلوكين؛ أحيانًا يبحث عن الطمأنينة بشكل مفرط، وأحيانًا يتجنبها تمامًا.
طرق تشخيص أعراض اضطراب التوهم المرضي
يتم تشخيص اضطراب التوهم المرضي من قبل الطبيب النفسي أو الأخصائي الإكلينيكي بناءً على معايير محددة. يعتمد التشخيص على المقابلة السريرية المفصلة لتاريخ المريض وسلوكياته الصحية.
يجب أولًا استبعاد أي اضطراب عضوي فعلي يفسر الأعراض، من خلال الفحوصات الطبية الأساسية. بعد ذلك، إذا تبين أن القلق من المرض مستمر لمدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا يمكن تفسيره باضطراب آخر، يتم التشخيص.
يعتمد الأطباء على دليل DSM-5 الذي يحدد المعايير التالية:
- انشغال مفرط بالإصابة بمرض خطير.
- غياب أو خفة الأعراض الجسدية.
- قلق صحي مفرط وغير متناسب.
- سلوكيات متكررة متعلقة بالصحة (مثل فحص الجسد أو البحث عن الأعراض).
- استمرار الحالة رغم الاطمئنان الطبي.
- استمرار الأعراض لمدة لا تقل عن 6 أشهر.
قد يلجأ الطبيب إلى استخدام مقاييس نفسية مثل مقياس القلق الصحي (Health Anxiety Inventory) لتقدير شدة الاضطراب، كما يقيّم مدى تأثيره على الأداء الوظيفي والاجتماعي.
طرق علاج أعراض اضطراب التوهم المرضي
العلاج الفعّال لاضطراب التوهم المرضي يحتاج إلى خطة شاملة تشمل الجوانب النفسية والطبية، ومن أبرز طرق العلاج ما يلي:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يعد العلاج الأساسي والأكثر فعالية. يساعد المريض على فهم العلاقة بين أفكاره ومشاعره وسلوكياته، وتعلم كيفية تفسير الأعراض الجسدية بطريقة واقعية.
- العلاج الدوائي: قد تُستخدم مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) مثل السيرترالين أو الفلوكستين لتقليل القلق والأفكار الوسواسية.
- العلاج النفسي الداعم: يساعد المريض على التعبير عن مخاوفه وتفريغ توتره ضمن علاقة علاجية داعمة وآمنة.
- العلاج الأسري: يهدف إلى توعية أفراد الأسرة حول طبيعة الاضطراب وكيفية التعامل مع المريض دون تعزيز القلق المرضي.
- إعادة التثقيف الصحي: تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأمراض الجسدية وتعليم المريض التمييز بين الأعراض العادية وتلك التي تستدعي القلق.
- التقنيات السلوكية: مثل تمارين الاسترخاء، والتنفس العميق، والتدريب على الوعي الذاتي بالجسد دون خوف.
طرق الوقاية من أعراض اضطراب التوهم المرضي
الوقاية من اضطراب التوهم المرضي تعتمد على التوازن بين الاهتمام بالصحة وعدم المبالغة في القلق منها. يُنصح بتعزيز الوعي الصحي الواقعي منذ سن مبكرة، وتعليم الأفراد كيفية تفسير الإشارات الجسدية بطريقة منطقية. كما أن إدارة القلق والتوتر من خلال ممارسة الرياضة المنتظمة، والتأمل، والنوم الجيد، تساعد على الحد من احتمالية الإصابة.
كذلك، يجب توخي الحذر من الإفراط في البحث الطبي عبر الإنترنت، إذ يُعرف هذا السلوك بـ”السايبركوندريا” (Cyberchondria) ويُعد من المحفزات الرئيسية للاضطراب. من المهم أيضًا بناء شبكة دعم اجتماعي قوية تشمل الأسرة والأصدقاء، وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة النفسية مبكرًا عند ملاحظة القلق الزائد بشأن الصحة.
في الختام
اضطراب التوهم المرضي ليس مجرد خوف عابر من المرض، بل حالة نفسية حقيقية تحتاج إلى فهم عميق وتعاطف. المريض لا يتظاهر، بل يعيش قلقًا دائمًا يعجز عن السيطرة عليه.
إن التوعية النفسية بهذا الاضطراب تمثل خطوة أساسية لتقليل معاناة المصابين ومساعدتهم على تلقي العلاج المناسب. ومع تزايد الضغوط الحياتية والمعلومات الطبية المنتشرة عبر الإنترنت، تبرز الحاجة إلى تعزيز الثقافة النفسية والصحية المتوازنة، بحيث نميز بين القلق الطبيعي والرهاب المرضي.
وفي النهاية، تبقى الرسالة الأهم أن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وأن الاهتمام بها هو المفتاح لحياة متوازنة خالية من الخوف المفرط من المرض.
المصادر المستعملة لكتابة المقال:
Illness Anxiety Disorder (Hypochondria): Symptoms & Treatment
Illness Anxiety Disorder: Practice Essentials, Background, Pathophysiology
Illness anxiety disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
Illness Anxiety Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا


