يعتبر سيجموند فرويد هو مؤسس علم النفس الحديث ( 1853- 1932 )، فهو صاحب أهم النظريات في علم النفس على الاطلاق، وأكثر هذه النظريات شهرة هي النظرية النفسية للشخصية التي تفسر الأنا في علم النفس والأنا العليا والهو، وتقوم هذه النظرية على تقسيم شخصية الأفراد الى هذه الأقسام الثلاثة، وبهذه النظرية على وجه الخصوص تمكن من عمل نقلة جوهرية ونوعية جعلت علم النفس أكثر عصرنة، وبناء على أعماله هذه وإضافاته التي قدمها إلى هذا العلم.
المزيد من المقالات : ما هو قانون الجذب ؟ تعريفه , أسراره , و كيف نطبقه ؟
الوعي واللاوعي “Conscious and Unconscious” عند فرويد
قسم فرويد في نظريته الذهن البشري الى الوعي واللاوعي[1]، فالجزء الواعي من الذهن لا يُمكنك من الوصول الى كل ما تتمناه وتريده بسهولة على عكس العقل اللاواعي، فلديه القدرة على الوصول إليها وتحقيقها وبمعنى أدق فإن العقل اللاواعي يعرف أكثر بكثير مما يعرفه الوعي عندك.
وبالتالي شبه فرويد العقل البشري بـ ” الجبل الجليدي ” و يظهر منه ما يسمى بـ ” الوعي ” فقط ويمثل نسبة 10% من العقل، ولا يظهر منه اللاوعي كاملا و هو يمثل 90% من العقل البشري وهو المتحكم والمسيطر الأكبر على العقل على الرغم من ظهور الوعي و عدم ظهور اللاوعي.
**ومثال ذلك لتوضيح الفرق بين الوعي و اللاوعي : دائما ما نشعر برغبة في النوم عند القيام بالمذاكرة ، أليس كذلك ؟ لكنك على سبيل المثال إذا كنت تلعب على الهاتف فلن تشعر برغبة مفاجئة في النوم. هذا هو أقرب تفسير لطريقة عمل الوعي و اللاوعي لديك، حيث أن مهمة اللاوعي تقتصر في هذا الموقف على أن يبعدك عن ما يزعجك وهو يعلم جيدا ان المذاكرة تزعجك، وعلى العكس فأنت تحب اللعب على الهاتف المحمول، وبالتالي سيعطي لك اشارة بان تبقى مستيقظا ولا تنام لتكمل لعب وتبقى سعيداً.
و من هنا جاءت تسمية ” اللاوعي ” بهذا الاسم، فهو غير واع بمستقبلك، و يعطي لك إشارات بتنفيذ ما يسعدك لحظيا فقط، بغض النظر عن العقبات التي
من الممكن أن تتعرض لها بسببه، على عكس ” الوعي” الذي يدفعك دائما لتفعل ما به الصالح لك و يدفعك لتحقيق طموحاتك و لكن نظرا لان نسبته اقل من العقل حيث يمثل 10% فقط، فغالبا ما يتغلب اللاوعي بشكل لا ارادي.
يتضمن عمل اللاوعي أيضاً على سبيل المثال الخوف من أشياء تسبب لك بالأذية من قبل، مثل: الخوف من القناديل لانها لسعتك قبل ذلك، الخوف من السرعة الزائدة بسبب التعرض لحادث في وقت سابق، الخوف من مرض معين لفقدان شخص عزيز عليك بسببه، ومن الممكن أن يتمثل أيضا في كره اسم معين لأنك تعاملت مع شخص تسبب لك في ضرر و يحمل هذا الاسم …. الخ.
أساس النظرية النفسية لفرويد
قسم فرويد الشخصية إلى ثلاث أقسام[2]:
الهو أو الهي | Id
يعتبر الهو هو البداية أو أساس النظرية النفسية و ينشأ بعده و بتأثيره الأنا و الأنا العليا، و هو الجزء ” اللاشعوري ” في عقل الإنسان، و يتمثل في كل الدوافع المكبوتة بداخلنا و كل الرغبات و يكون هو الدافع الداخلي الذي يوجهك لتحقيقها.
** فعلى سبيل المثال : إذا كنت تحلم بشراء سيارة جديدة أو الحصول على منزل فخم في منطقة ما أو الوصول الى مركز معين في العمل، كل هذه الرغبات والطموحات مصدرها ” الهو” ووظيفته تتمثل في دفعك لارضائها بأي شكل حتى لو لم تسمح الظروف الخارجية أو الواقع بذلك.
و لكن كلامنا هذا لا يهدف إلى أن يدفعك لتظن أن الهوى كله عيوب و لا يوجد فائدة لوجوده داخلنا، فقط تخيل حياتك بدون وجود اي رغبات أو طموحات حتى لو كان من غير المنطقي تحقيقها أو الوصول لها بسهولة، هل حقا ستحب ذلك ؟ بالطبع لا، من منا قد يفعل !. ان الهو موجود بشكل أساسي ليصدر من خلاله الأنا و الأنا العليا، ليكونوا جميعا أساس الشخصية و التفكير و الشعور .
الأنا في علم النفس | Ego
الأنا في علم النفس وفقا لنظرية فرويد النفسية يعتبر هو الأساس في عمل التوازن المنطقي والسليم بين الهو و الأنا العليا و بالتالي تكوين شخصية سليمة، فهو يعمل على تحقيق رغبات الهو و لكن بشكل يتناسب مع الواقع الخارجي و الظروف المجتمعية و اخلاقيات الأنا العليا. و بالتالي عندما يسيطر الأنا على الشخصية تكون في حالتها الأكثر اعتدالا و اتزانا.
** مثال ذلك : عندما تشعر بالجوع، سيقول لك ( الهو ) أن تأكل اي طعام متوفر أمامك سواء كان نيئا أو بريا و هذا ما تفرضه غريزة البقاء الحيوانية بنسبة 100% أو أن تسرق الطعام على سبيل المثال، المهم أن تشبع هذه الرغبة.
و ستقول لك ( الأنا العليا ) أن ترفض مثل هذا الفعل لأنه مناف لقيم وأخلاق المجتمع و الانسانية، و هنا ياتي دور ( الأنا ) التي تحقق التوازن المطلوب، فستدفعك الى التفكير في الحصول على الطعام الذي يشبع جوعك و يرضي الهو و لكن بطريقة متحضرة ليتناسب مع الأنا الأعلى ايضاً.
فبدلا من أن تسرقه من الممكن ان تذهب لشراء طعام يشبعك، و اذا لم يتوفر معك المال و انت بالخارج، ان تنتظر الى ان تذهب لمنزلك و تأكل أو تأخذ نقودا من المنزل لتشتري ما يحلو لك من الطعام إذا لم يتوفر طعاما بالمنزل، و ستقدم لك كل الحلول المتناسبة مع قيمك و قيم المجتمع لتختار منها أكثر ما يناسبك و يناسب الموقف.
وترجع قوة الشخصية إلى قوة الأنا، فمن الممكن أن تفشل الأنا في السيطرة على تفكير الإنسان و يتبع الإنسان غرائزه المنافية لقيم الأنا العليا أو أن تنجح و يمتثل الفرد للأنا العليا حتى لا يشعر بالذنب أو تأنيب الضمير. و من هنا ياتي اختلاف الشخصيات و الطبائع بين كل فرد و الاخر.
و بالتالي وفقا لقوة أو ضعف الأنا تجد الشخصيات الشهوانية أو المدمنة على افعال معينة غير اخلاقية و تجد اشخاص اخرين يتبعون القيم والأخلاق بكل ثبات دون ان يؤثر عليهم أي دافع داخلي أو خارجي و بناء عليه تظهر الاختلافات بين البشر و بدوره الاختلافات بين المجتمعات و القيم السائدة.
وظائف الأنا | Ego
حتى تعمل الأنا في علم النفس بكفاءة يجب أن يتوفر بها الخصائص التالية لتؤدي وظيفتها بشكل ممتاز :
- اختبار الواقع و التعامل معه بشكل سليم.
- التحكم بشكل متوازن في الدوافع و الاندفاعات الغريزية.
- الإحساس بالواقعية سواء واقعية الذات أو العالم المحيط.
- تنظيم المثيرات التي تدفع الإنسان للقيام بالأفعال الغرائزية.
- السيطرة على التفكير بشكل متوازن.
- الحكم على الأمور بصورة سليمة مطابقة لعادات المجتمع والأخلاق.
الأنا العليا | Super-ego
تمثل الأنا العليا الصفات المكتسبة و القيم الأخلاقية التي اكتسبها الإنسان من المجتمع وتتمثل في الصفات الحميدة، مثل: حب الخير، الحرص على صلة الرحم، تجنب الأذى، قول الكلمات الطيبة، جبر الخواطر، …. الخ .
و بالتالي هي تمثل المرء في صورته الأكثر نضجا و عقلا و حكمة و هي التي ترشده للابتعاد عن الدوافع الغريزية والرغبات المكبوتة التي تتنافى مع الأخلاق والمبادئ التي اكتسبها خلال مراحل عمره من المجتمع و التي تتناسب مع الواقع و ظروف البيئة المحيطة، و بالتالي تبعث فيه الشعور بالفخر عند الامتثال لهذه القيم والشعور بالذنب عند انتهاكها.
بداية تكون الأنا العليا في الشخصية
هل نمتثل كلنا للأنا العليا؟.. هل نشعر كلنا بالفخر عند الالتزام بالقيم المجتمعية والأخلاقية ؟ بالطبع لا، فالموضوع نسبي بحت، و الا لما كانت اختلفت طبائع و أخلاق البشر عن بعضها، وأصبح لكل فرد مكانة خاصة يكتسبها عند الله بأخلاقه وتصرفاته ومعاملاته مع البشر.
و لكن دعنا نشرح لك بداية تكون الأنا العليا في الشخصية و معرفة نتيجة تواجدها في الشخصية من عدمها.
** و على سبيل المثال: الطفل ذو 3 سنوات أو أكثر لا أنا أعلى له، فلا زال يحتاج الى الكثير من الوقت ليكتسب الصفات الأخلاقية من المجتمع الخارجي، فإذا أعجبته لعبة تخص صديقه وهو لا يمتلكها سيتجه إلى أخذها منه عنوة أو سرقتها حتى تصبح ملكه، ذلك لانه لا زال صغيرا و لم يتعرض لمثل هذا الموقف من قبل ولم يعرف كيفية التعامل فيه بشكل أخلاقي، فإذا قيل له – بشكل صحيح – انه اذا اعجبته لعبة ما لا يأخذها عنوة و لكن يطلب من اهله واحدة مثلها لانها اعجبته، فعندما يتكرر معه نفس الموقف مرة أخرى سيمتثل للأنا العليا التي ستوجهه إلى طلبها من أهله و عدم أخذها من صديقه.
و من هنا تكون بداية تكون الأنا العليا في الشخص منذ الصغر و لكن ليس بشرط ان يمتثل لها الكل بشكل صحيح، فالأنا العليا لها جزء واع و جزء آخر غير واع ، فالشخص الواعي عندما يرتكب ذنبا سيكون واعيا به و سيشعر بتأنيب الضمير، ولكن من الممكن ان يجد شخص آخر مبررات لفعلته ويقنع نفسه انها صحيحه و يستمر في تكرار نفس الخطأ.
هل قد تدفعنا الأنا في علم النفس الى تدمير الذات؟
قد تعتقد أن إجابة هذا السؤال الحتمية هي ” لا ” لأنه من المعروف عن الأنا المنطقية و تحقيق التوازن بين الرغبات و الواقع و ما يفرضه، و لكن في الحقيقة في بعض الحالات الكثيرة تكون الاجابة هي ” نعم ” ، و لكن كيف ذلك؟!
قد يكون للشخصية أفكار و نزوعات منحرفة و لا أساس لها في الواقع وهذه الأفكار تكون وهمية بنسبة 100% و في خيالاته فقط، و ينتج هذا من انحراف و تضخم ” الأنا ” لدى هذه الشخصية، و تظهر الأنا المنحرفة في التصرفات المتعجرفة مثل : الغرور و الأنانية و الاعتزاز بالنفس بشكل مبالغ فيه وإنكار أي حقيقة قد تقلل من شأنك و …. الخ.
و سوف نسرد هذه التصرفات بشكل أوضح، و بالتأكيد ستلاحظها في أشخاص كثيرين حولك:
الأنا في علم النفس تدفع لتمجيد الذات وتعظيم شأنها
تفكر هذه الشخصية في مصالحها هي فقط، ولا تعطي أي اعتبار للتفكير أو طموح الاخرين بل حتى تستخف بانجازاتهم وتبين لهم أن لا قيمة لها أمام انجازاتهم و ذلك يدفعها الى الغرور و الأنانية و يعتبر الغرور هو القناع الذي تختبئ وراءه هذه الشخصية لإثبات ذاتها.
و في الحقيقة هذا القناع وهمي و يدفعها اكثر و اكثر الى الأنانية، و يؤدي الى تحجر القلب و يلغي أسلوب التعامل اللطيف و حتى يمنعه من الاعتذار لأي سبب، فهو لا يمكن أن يكون على خطأ!.
رفض الإمكانيات الذاتية
إذا لم تسيطر هذه الشخصية على الأنا المتعجرفة و المنحرفة و تمكنت من التحكم في الغرور و الأنانية و محاولة التقليل منهم، سيدفعها هذا إلى ما هو أسوأ من ذلك، فستجد تلك الشخصية نفسها غير واعية بإمكانياتها الذاتية.
و بالتالي تعطي نفسها قدرا أكبر من قدرها بشكل وهمي و غير واقعي و بالتأكيد ستفقد الشخصية التوازن و الضوابط المطلوبة في أي شخص ناجح وطموح، و ما هو أسوأ من ذلك أنها ستشعر بالكمال الذاتي و هو لله وحده، فيوجد فرق كبير بين الكمال الذاتي و الاكتمال الذاتي.
حيث ان ( الاكتمال الذاتي ) أمر منطقي و واقعي الى حد ما و سيكون دائما الدافع الذي يوجهك للنجاح والاستمرار عليه، أما الكمال الذاتي فهي صفة تقتصر على الله وحده، و بالتأكيد لا يوجد شئ أو شخص في هذه الحياة كامل !
تأثيرها على روح المنافسة
ترفض الأنا المنحرفة أن تجد لها منافسين على مستواها أو أفضل منها، و دائما ما ينكر ذلك باستخدام قناعة الوهمي ” الغرور ” و أحيانا يستخدم أسلوب التسلط وإذا لم يسيطر على شعوره هذا سيخرج الأمر عن سيطرته بشكل تدريجي.
خصائص الأنا العليا والهو والأنا في علم النفس
هذه هي المصطلحات العلمية التي فرق بها سيجموند بين العقل الواعي Conscious و العقل اللاواعي Unconscious و هم اساس النظرية البنيوية ” Structural Theory ” لـ سيجموند فرويد و تمثل هذه المصطلحات العلاقة الدينامية بين الوعي و اللاوعي بشكل دقيق حيث أن:
- الهوى هو الـ Id: هو المسئول عن وجود دوافع داخلية مكبوتة لدى الإنسان بتحقيق الرغبات و إشباعها.
- الأنا العليا “Super Ego”: هو الأخلاق و المبادئ المكتسبة لدى الإنسان و التي تمنعه من تحقيق الدوافع المكبوتة للهو،
- أما الأنا “Ego”: فهو يمثل الجزء الواقعي من عقل الإنسان و هو ” مركز الشعور ” و يحقق التوافق بين مطالب ورغبات الهو والمعارضة من الأنا العليا و العالم الخارجي أو الظروف العامة.
الأنا العليا و الهو وتأثيرهما على المجتمعات
رغم صحة نظرية فرويد و انطباقها بشكل سليم على شخصية الانسان، الا انه اتضح مع الوقت أن هذه النظرية لا تنطبق فقط على الإنسان بشكل فردي و إنما تنطبق أيضا على كل المجتمعات و كل التجمعات الانسانية.
وإذا قمنا بتطبيق هذه النظرية على مجتمعاتنا، سنجد ان الهو أو الأنا السفلى يسيطر بشكل كلي عليها وذلك يظهر في عجزها أمام ما تواجهه من مصائب و مؤامرات، وهذا اكبر دليل على غياب الأنا العليا التي تحث أفراد المجتمع على الدفاع عن مجتمعهم و عن عاداته و تقاليده وقيمه التي تربى عليها منذ أقدم العصور و القيام به لاعلى المستويات ليكون من دول العالم المتقدمة.
علاقة الهو بالأنا العليا وتأثير التوازن بينهما على الشخصية
إذا تمكنت شخصية الفرد من تحقيق التوازن بين الهو و الأنا العليا، وصلت إلى المثالية و أصبحت متوازنة، أما إذا كان الهوى المسيطر على الشخصية فستجد ان الفرد اصبح شهوانيا ويتبع غرائزه دون تفكير، و اذا سيطرت الأنا العليا بشكل كامل أدى ذلك ايضا الى حدوث اضطراب في الشخصية.
و من هنا نستطيع ان نستنتج ان الهو و الأنا العليا متضادان في كل شئ و يدفعان الإنسان للتصرف بشكل عكس الآخر تماما، و لكن تواجدهم مع بعض بشكل متوازن في الشخصية أمر ضروري و ينتج عنه شخصية سوية، و بذلك تأكدنا من ان لكل منهما فوائده والتي ستتمكن من فهمها بشكل أدق من خلال الأنا Ego.
علم الأعصاب ونظرية فرويد النفسية
بدأ فرويد عمله اختصاصياً في طب الأعصاب، ففضل أن يربط بين نظريته النفسية و طريقة عمل الدماغ، لكنه لم يوفق في ذلك و اكتفى بالبحث من ناحية نظريات علم النفس فقط، و لكن مع تطور علم النفس العصبي و وجود العديد من التقنيات التكنولوجية الحديث كالتصوير بالرنين المغناطيسي وغيرها، تمكن العلماء من الربط بين أقسام الدماغ الثلاثة التابعة لنظرية فرويد مع أماكن معينة في الدماغ، وهي:
- الهو : يتمثل في اللوزة.
- الأنا العليا : تتمثل في البطانة الإنسية للقشرة الجبهية الأمامية.
- الأنا : يتمثل في المنطقة الظهرانية الجانبية للقشرة الجبهية الأمامية.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا