
الاضطراب المفتعل: الأعراض، الأسباب وطرق العلاج
جدول المحتويات
- الاضطراب المفتعل
- انتشار وحدّة الاضطراب
- العوامل المسببة للاضطراب المفتعل
- عوامل نفسية ومجتمعية
- الخصائص النفسية المصاحبة
- معايير تشخيص الاضطراب المفتعل حسب DSM-5 / DSM-5-TR
- أعراض ودلائل الاضطراب المفتعل
- دلائل مشتركة
- مؤشرات خاصة بـ FDIS
- مؤشرات خاصة بـ FDIA
- تشخيص الاضطراب المفتعل
- مضاعفات الاضطراب المفتعل
- جسدية
- نفسية
- نظامية
- طرق علاج الاضطراب المفتعل
- النهج العام
- العلاج النفسي
- العلاج الدوائي
- المصادر
في بعض الحالات الطبية، يواجه الأطباء تحديات غير معتادة تتجاوز حدود التشخيص التقليدي أو التعامل السريري المعتاد. فقد تظهر أعراض غامضة لا تتوافق مع نتائج الفحوص، أو تتكرر مشكلات صحية بطرق يصعب تفسيرها طبيًا، مما يثير التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء تلك الحالات. هذا النوع من الغموض لا يعود دومًا إلى تعقيد المرض نفسه، بل أحيانًا إلى سلوك المريض أو المحيطين به. وهنا تبدأ قصة معقّدة تتداخل فيها العوامل النفسية، والدوافع الخفية، والتحديات الأخلاقية والطبية في آنٍ واحد.
يتناول هذا المقال اضطراب المفتعل، أحد أكثر الاضطرابات النفسية تعقيدًا من حيث الاكتشاف والمعالجة، من خلال تحليل أسبابه المحتملة، ودينامياته النفسية، ومخاطره الصحية، والتداخلات التي يتطلبها على مستوى التشخيص والعلاج.
الاضطراب المفتعل
الاضطراب المفتعل هو اضطراب نفسي-طبي يقوم فيه الشخص بتزييف أو إحداث أعراض جسدية أو نفسية بهدف تلقّي الرعاية أو التعاطف أو الاهتمام، دون وجود دافع مادي أو منفعة خارجية واضحة.
يصنّف هذا الاضطراب إلى نوعين:
- اضطراب مفتعل مفروض على الذات (FDIS): كان يُعرف سابقًا باسم متلازمة مونشهاوزن.
- اضطراب مفتعل مفروض على الآخر (FDIA): وهو ما يُعرف بمونشهاوزن بالوكالة، حيث يقوم الشخص بتزييف أو التسبب في أعراض مرضية لدى شخص آخر تحت رعايته، كطفل أو مسنّ.
رغم ندرته، إلا أن هذا الاضطراب يحمل مخاطر صحية ونفسية وقانونية جسيمة، ويتطلب تدخل فريق طبي متعدد التخصصات للتشخيص والعلاج.
انتشار وحدّة الاضطراب
تشير تقديرات الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) إلى أن اضطراب المفتعل يظهر في أقل من 1% من المرضى المنومين في المستشفيات، إلا أن العدد الفعلي قد يكون أعلى نظرًا لصعوبة اكتشافه وتشخيصه. أما بالنسبة لاضطراب مفتعل مفروض على الآخر (FDIA) عند الأطفال، فيُقدّر حدوثه بين حالة إلى 28 حالة لكل مليون طفل، ويكون الضحايا غالبًا من الذكور دون سن السادسة. وتُظهر الدراسات أن معدلات الوفاة أو الضرر الدائم بين هؤلاء الأطفال قد تصل إلى ما بين 6% و10%. جدير بالذكر أن العديد من الحالات تمر دون تشخيص رسمي بسبب الطبيعة المخادعة والمعقدة لهذا الاضطراب.
العوامل المسببة للاضطراب المفتعل
عوامل نفسية ومجتمعية
- وجود تاريخ من الإهمال أو الاعتداء في الطفولة، أو فقدان أحد الوالدين.
- التعرّض المتكرر للبيئة الطبية في سن مبكرة، ما يخلق ارتباطًا بين العناية والاهتمام.
- ضعف تقدير الذات، والشعور بعدم القيمة، يدفع البعض لتقمص “دور المريض” لكسب التعاطف.
الخصائص النفسية المصاحبة
- اضطرابات الشخصية، خاصة الشخصية الحدية، شائعة بشكل كبير بين المصابين.
- وجود اضطرابات مزاجية مثل الاكتئاب أو القلق.
- بعض المرضى يمتلكون خلفية طبية أو يعملون في المجال الصحي، مما يساعدهم على تزييف الأعراض بذكاء.
مقال ذي صلة: مرض توهم المرض من حيث الأسباب والعلاج
معايير تشخيص الاضطراب المفتعل حسب DSM-5 / DSM-5-TR
الاضطراب المفتعل المفروض على الذات (FDIS)
- تزييف أو افتعال أعراض جسدية أو نفسية عمدًا.
- تقديم الذات كمريضة رغم عدم وجود سبب طبي حقيقي.
- غياب منفعة خارجية واضحة.
- السلوك لا يُعزى لاضطراب نفسي آخر مثل الفصام.
الاضطراب المفتعل مفروض على الآخر (FDIA)
- نفس المعايير السابقة، لكن الأعراض مفتعلة لدى طرف آخر تحت رعاية الجاني.
- يُشخّص الفاعل، وليس الضحية.
أعراض ودلائل الاضطراب المفتعل
دلائل مشتركة
- تناقض أو تكرار في السجلات الطبية.
- معرفة طبية مفرطة.
- أعراض تظهر فجأة بعد نتائج فحوص سليمة.
- رفض مشاركة الأطباء الآخرين أو الإفصاح عن السجل الطبي السابق.
مؤشرات خاصة بـ FDIS
- التلاعب بالفحوص مثل تزييف نتائج البول أو إحداث إصابات.
- الخضوع لإجراءات طبية غير ضرورية بشكل متكرر.
مؤشرات خاصة بـ FDIA
- أعراض غير مفسرة لدى شخص تحت رعاية الجاني.
- أفعال متعمدة مثل التسميم أو التسبب بالعدوى.
- روايات درامية من الجاني ومقاومة للتعاون مع الفريق الطبي.
تشخيص الاضطراب المفتعل
من المهم التمييز بين عدة حالات تختلف في طبيعتها ودوافعها. أولًا، التحايل (Malingering) يتمثل في التظاهر بالأعراض بهدف تحقيق مكاسب مادية أو قانونية واضحة. أما اضطراب الأعراض الجسدية (Somatic Symptom Disorder)، فتكون الأعراض فيه حقيقية بالنسبة للمريض لكنها غير متعمدة أو مقصودة. كذلك، تظهر اضطرابات التحويل بأعراض عصبية لا يمكن تفسيرها طبيًا بشكل واضح، لكنها ليست نتيجة لخداع متعمد. بالإضافة إلى ذلك، توجد اضطرابات عقلية أخرى مثل الفصام، التي قد تتشارك مع بعض الأعراض، إلا أنها لا تتضمن خداعًا مقصودًا من قبل المصاب.
مضاعفات الاضطراب المفتعل
جسدية
- التعرض لجراحات غير ضرورية.
- التهابات أو تسمم متعمد.
- تلف الأعضاء، وأحيانًا الوفاة (خاصة في FDIA).
نفسية
- تفاقم الاكتئاب أو القلق.
- احتمال الإيذاء الذاتي أو الانتحار.
- مشاكل في العلاقات الاجتماعية والعائلية.
نظامية
- استنزاف موارد النظام الصحي.
- تشويش جهود الأطباء.
- في FDIA: إلحاق الضرر بضحايا أبرياء خاصة الأطفال.
طرق علاج الاضطراب المفتعل
النهج العام
- تجنّب المواجهة المباشرة، بل اتباع أسلوب هادئ يُركّز على بناء علاقة علاجية.
- فتح حوار نفسي تدريجي لفهم الدوافع دون اتهام مباشر.
العلاج النفسي
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): لتعديل التفكير والسلوك المرتبط بالأعراض.
- العلاج الأسري: ضروري في حالات FDIA لمنع تعزيز السلوك المرضي.
- العلاج السلوكي الجدلي (DBT): فعّال خصوصًا لدى مرضى اضطراب الشخصية الحدية.
العلاج الدوائي
لا توجد أدوية مخصصة لعلاج الاضطراب المفتعل، لكن يمكن استخدام مضادات الاكتئاب أو القلق عند الحاجة، وتُستخدم مضادات ذهانية في حالات معينة نادرة.
في الختام
يُعد الاضطراب المفتعل، سواء كان مفروضًا على الذات أو على الآخر، من الحالات النفسية النادرة والمعقّدة التي تفرض تحديات كبيرة على الأطباء والمعالجين. وتكمن الصعوبة الأساسية في القدرة على اكتشاف الحالة في مراحل مبكرة، قبل أن يتسبب سلوك المريض في أذى جسدي أو نفسي له أو للآخرين. كما يتطلب التعامل مع المصاب قدرًا كبيرًا من الحذر، إذ أن المواجهة المباشرة قد تؤدي إلى مزيد من الإنكار أو الانتكاس، مما يعقّد عملية العلاج.
إحدى أبرز الأولويات في هذه الحالات هي حماية الضحايا المحتملين، لا سيما الأطفال أو الأشخاص غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم، حيث يمكن أن يؤدي التأخر في التدخل إلى نتائج خطيرة أو دائمة.
ويعتمد النجاح في علاج هذا الاضطراب على التزام طويل الأمد من قبل الفريق الطبي، يتضمن تعاونًا متعدد التخصصات ونهجًا متوازنًا يجمع بين الفهم العميق للدوافع النفسية والحذر الإكلينيكي في متابعة الحالة وتوجيهها نحو التعافي.
المصادر:
Factitious disorder – Symptoms and causes – Mayo Clinic
Factitious Disorders: What Are They, Symptoms, Treatment & Types
Factitious Disorder – StatPearls – NCBI Bookshelf
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا