نعنبر النظرية المعرفية [1] في طب النفس بصفةٍ عامةٍ على أنها وعاء أساسه العلم والتجربة، فهي تساعد التربويين على إدراك الكثير من الظواهر النفسية والتعليمية، وهو الأمر الذي يساعدنا في معرفة الطريق الصحيح لتقديم المعرفة، فالعلم هو الوسيلة الوحيدة الأساسية لتعلم الفرد العديد من المعارف والمهارات وتشكيل الخبرات السلوكية، وعند ذكرنا للنظرية المعرفية، فيجب علينا معرفة مؤسسها وهو العالم النمساوي جان بياجيه.
في هذه المقالة اليوم سوف نتعرف أكثر النظرية المعرفية في طب النفس من حيث المفهوم وروادوها والمفاهيم الأساسية لهذه النظرية.
النظرية المعرفية في طب النفس
تُعد النظرية المعرفية في علم النفس أحد فروع الفلسفة، حيث قام الكثيرون بإطلاق اسم علم الأبستمولوجيا عليها، إلا أنه يوجد اختلاف بينهم، وتعتبر من العمليات الخاصة ببناء المعرفة الإنسانية، وأهم أركانها هي الذاكرة، والفهم والانتباه، وتلقي المعلومات، والعمل على تجهيزها ومعالجتها، وذلك بغض النظر عن أسس البحث فيها، مع دراسة طبيعة ومصادر النظرية، وقيمتها والعلاقة بينها وبين الواقع، وهذا يؤدي إلى ظهور نتائج مثالية أو عقلانية، أو مادية.
وتقوم النظرية المعرفية في علم النفس بتفسير ما ينتج عن الفرد من سلوكيات عند خضوعه للتدريب أو للخبرة أو للمعرفة، وتعمل على إحداث تغيير في سلوكه من خلال القيام بالعمل على البنية التعريفية بواسطة التمايز والترابط والتنظيم والكيف والكم والثبات النسبي والتكامل.
وتعرف النظرية المعرفية أن إحداث وتحقيق المعرفة يأتي من خلال المرور ببعض المراحل الزمنية والمتتابعة والتي تتمثل في:
- التنبيه الانتقائي للمعرفة.
- التفسير الانتقائي للمعرفة.
- العمل على استساغة المعرفة والقيام ببناء معرفة جديدة.
- القيام بحفظ المعرفة المتحصل عليها في الذاكرة.
- القيام بعملية استرجاع وتفريغ الذاكرة عند الحاجة.
ما هو مفهوم النمو المعرفي في النظرية المعرفية ؟
تُعرف النظرية المعرفية في علم النفس على أنها علم يهتم بدراسة نمو المعرفة عند الفرد بداية من مرحلة الطفولة حتى مراحل العمر المختلفة، وقد ساهمت في تقديم بعض النظريات النمائية والمعرفية التي قدمت العديد من المفاهيم المعرفية التي ساهمت في تطوير علم النفس المعرفي ومنها مفاهيم البنية المعرفية، ومفهوم التكيف، ومفهوم التوازن
رواد النظرية المعرفية في علم النفس [2]
ساعد الكثير من العلماء في تأسيس النظرية المعرفية في علم النفس ، والقيام بتحديد المفاهيم الرئيسية للنظرية وذلك تبعاً لمجالات كل منهم ، وقدموا شرح مبسط للنظرية من خلال عدة جوانب.
من أبرز رواد النظرية المعرفية :
- ماكس فرتهيمر: وهو عالم نفس ومفكر ألماني الجنسية 1880- 1943، تخصص في دراسة سيكولوجية التعلم والإدراك والتفكير، وقد خص باهتمامه مجال التفكير، وكان من أبرز وأهم أبحاثه عن التفكير المنتج، الذي أهتم به وقام بدراسته جيداً والمقارنة بينه وبين التفكير غير المرن غير المنتج وأنه يمكننا الاعتماد على مشاعر الأطفال في التعلم، كما كان مؤسساً لنظرية الجشطالت والتي كان لها اسم آخر عرفت به وهي نظرية الاستبصار وقد تم وضع هذه النظرية باعتبارها رد فعل ضد النظرية السلوكية، والتي أوجبت القيام بدراسة السلوك باعتباره ككل وليس ككجزء منفصل.
- ولجانج كوهلر: وهو عالم نفس ألماني الجنسية، كان زميل للعالم ماكس فرتهيمر والعالم كيرت كوفكا وهم من مؤسسي النظرية الجشطالتية، وكان له أهتمام كبير بدراسة سيكولوجية الإدراك والتعلم والتفكير وقد قاموا بدراسة التعلم بالبصيرة.
- كيرت ليفيه: حيث كان المجال الأول من اهتمامه هو المجال النفسي، كما أهتم بالسلوك الاجتماعي و الدافعية.
- كيرت كوفكا: وهو طبيب نفسي ينتمي إلى الجنسية الألمانية 1886-1942 قضى دراسته مع ماكس فرتهيمر، وكان من ضمن المهتمين بدراسة سيكولوجية الإدراك، والتعلم والتفكير.
- وكان مجال عمله في المستشفيات وبصفة خاصة العسكرية، هي أحد الأسباب التي جعلته يهتم بهذا المجال، كما قام بتأليف الكثير من الكتب، من أشهرها كتاب مبادئ علم النفس الجشطالتي.
مراحل تطور النظرية المعرفية في علم النفس
مرت النظرية المعرفية في علم النفس بكثير من التغيرات والتطورات عبر الزمن لكل تصل إلى ما هي عليه اليوم. يمكن تخليص مراحل تطور هذه النظرية في الخمس مراحل التالية:
- مرحلة ما قبل النظرية المعرفية (قبل الخمسينيات): في هذه الفترة كانت السيكولوجية السلوكية هي السائدة.
- مرحلة ظهور النظرية المعرفية (الخمسينيات والستينيات): بدأت النظرية في الظهور كرد على السيكولوجية السلوكية.
- مرحلة تطور توسع النظرية (السبعينيات والثمانينيات): تم الاعتماد على تقنيات حديثة في دراسة النظرية مثل الاختبارات المعرفية والتصوير الدماغي.
- مرحلة العولمة والتكنولوجيا (التسعينيات وما بعدها): في هذه الفترة شهدت النظرية دراسات جديدة ودقيقة اعتمدت على تقنيات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي.
- المرحلة الحديثة والمعاصرة للنظرية المعرفية: هذه المرحلة الحالية في زماننا وقد شهدت تطورات كبيرة جدًا وطرق دقيقة لدراسة العمليات العقلية.
مقالات ذي صلة : النظرية الوظيفية في طب النفس
تطبيقات النظرية المعرفية
- إدراك النمو العقلي ونمو القدرات الخاصة والذكاء للوصول إلى أفضل وسائل التربية والتعليم، و التي تتناسب مع جميع المراحل وتعمل على رفع مستوى النضج.
- تساعد في إدراك المعلم لجميع الظروف الفردية للطلبة، وأن هناك المزيد من الاختلافات في القدرات والطاقة العقلية والميول، فلذلك وجب على المعلم التعامل مع قدرة كل طالب على حدى.
- تنمية رغبة الطلبة في التعلم بمساعدة معلمهم.
- التعامل مع مدى نباهة واستيعاب الطفل خلال المراحل الدراسية المختلفة.
- الطفل في مرحلة المراهقة يكون ليه حب الاستهواء أي تقبل أفكاره دون انتقادات لذا علينا استغلالها .
مفاهيم أساسية في النظرية المعرفية في علم النفس
المفاهيم التقليدية
- الانتباه وهو من أحد العمليات المعرفية التي تساعد في تنسيق التعامل مع المثيرات البيئية العديدة من أجل تركيز الانتباه والإدراك على مثيرات من خلال الحواس المختلفة.
- الإدراك وهو القدرة على فهم وتحليل المعلومات التي تنقلها الحواس إلى العقل الإنساني.
- الذاكرة وهي عملية استقبال المعلومات في مراكز الذاكرة المختلفة وتحليلها وتركيزها والاسترجاع عند الضرورة.
- حل المشكلات: أن النظرية المعرفية تعمل على تعزيز القدرة على حل المشكلات، ووضع النظريات المعرفية لحلها، والمساعدة في توضيح مراحل الحل واستراتيجياته.
- تمثيل المعلومات وهي الآلية في تنظيم وتسجيل المعلومات في الذاكرة، كما توضح بعض طرق تمثيل المعلومات السمعية والبصرية طبقا لتوضيح النظريات المعرفية لعلم النفس.
- التفكير والتخيل وهو معالجة المعلومات واتخاذ القرارات المناسبة، كما هو القدرة على بناء الصور العقلية كما اوضحتها النظرية المعرفية في علم النفس.
- اللغة هو اكتساب اللغة وتطورها وفهمها وتحريرها وتركيبها عن طريق نظريات المعرفة.
- الأسس البيولوجية للنظرية المعرفية وهي ربط السلوك المعرفي بالأجهزة الجسيمة، ودراسة دور الجهاز العصبي والدفاع بشكل خاص في تنظيم وضبط العمليات النظرية المعرفية كالذاكرة والتعلم، واعتماد الدماغ كمرادف لمفهوم العقل.
المفاهيم الحديثة في النظرية المعرفية الحديثة
- علم الأعصاب وهو العلم الذي يهتم بدراسة دور الدماغ في تفسير العمليات والنظريات المعرفية، من خلال دراسة إصابات الدماغ وتحديد جوانب القصور المعرفية الناتجة عن هذه الإصابات مثل مجالات اللغة والإدراك.
- الذكاء الاصطناعي وهو العلم الذي يهتم بمحاولة جعل الحواسيب تقوم بعمليات معرفية من خلال تصميم البرامج الذكية التي تحاكي العقل الإنساني، فهو النظم الخبيرة التي تهتم بقيام عمليات معرفية ومعالجة المعلومات بين الحاسوب والعقل الإنساني.
- اتجاه معالجة المعلومات يعد هذا الاتجاه من الموضوعات القديمة نسبيًا في علم النفس المعرفي، إلا أنه تطور مع تطور الحواسيب والاتصال وفق نظام معالجة يتسم بالتسلسل والتنظيم.
- تنمية التفكير تسعى الأبحاث في علم النفس المعرفي إلى الاهتمام بالتفكير وتنميته، والتدريب من خلال البرامج المعدة لهذه الغاية على أشكال التفكير كالتفكير الإبداعي، والتفكير الناقد.
ما هي مناهج وأساليب النظرية المعرفية في علم النفس؟
قد أوضحت النظرية أن هناك قابلية لاستخدام المناهج الخاصة بعلم النفس المعرفي والتي من أهمها:
منهج الاستبطان: مثل (التأمل الذاتي- الملاحظة الباطنية) وهي تمثل محاولة وصف العمليات الشعورية والتفكيرية لما يجري داخل الإنسان ومن خلال تحديد الخبرة المعرفية المحددة، والطلب من المفحوص أن يتصف بالدقة والموضوعية. والاستبطان هو منهج سهل التطبيق فهو لا يتطلب خصائص شخصية محددة.
المنهج التجريبي: هو المنهج التجريبي للقيام بسلسلة من الإجراءات المخبرية والميدانية والتي تسمح بالتحكم بالعوامل المستقلة، وقياس العوامل التابعة، وضبط العوامل الدخيلة.
النقد الموجه للنظرية المعرفية
- تتجاهل النظرية المعرفية العمليات الدنيا، وتقوم بالتركيز فقط على عمليات العقل، مما يصبح من الصعب فهم عملية التعلم عند الكثير.
- توضح النظرية أن عملية معالجة المعلومات تحدث عن طريق الإكتشاف والاستبصار، ولكن للأسف هذا يؤدي إلى فقدان الثقة في المعارف التي يقوم المتعلم باستقبالها.
- لاتؤيد نظام المكافآت على حسن الأداء، وإنما تنادي بضرورة إعداد المواقف بالصورة التي تساعد الفرد على فهم عناصرها والعلاقات التي تربط بين جميع العناصر الكامنة مما يساعد في التوصل لحل المشكلة.
- ملاحظة أن التعلم هو عبارة عن تغيير شبه دائم في سلوكيات الفرد يتم الاستدلال عليه من خلال السلوك، كما كان اهتمامها على دراسة النمو من خلال العمليات المعرفية، ولا يوجد إهتمام بقياس الذكاء.
- التقليل من شأن دور المعلم في عملية بناء المعرفة.
في ختام مقالنا عن النظرية المعرفية
نجد أنفسنا أمام تفاصيل مثيرة ومفيدة تفتح لنا أبواب فهم أعماق العقل البشري وكيفية تفاعله مع المعرفة والتعلم. تعد النظرية المعرفية واحدة من الأطروحات المهمة في علم النفس، حيث تسلط الضوء على دور العقل وكيفية استيعابه للمعلومات وتحويلها إلى فهم ومعرفة.
توفر لنا هذه النظرية أساسًا علميًا قويًا لتفسير العديد من الظواهر النفسية والسلوكيات البشرية. نتعرف من خلالها على تأثير العوامل الداخلية والخارجية على عمليات التفكير والتعلم. كما تلقننا النظرية المعرفية كيف نفهم التحولات في السلوك والأداء البشري من خلال مراحل التطور المختلفة.
في النهاية، يتساءل الإنسان في ضوء النظرية المعرفية عن أعماق ذاته وكيف يستطيع تحسين قدراته العقلية وتعزيز مستوى فهمه للعالم من حوله. هذه النظرية تمنحنا أدوات قوية للنمو الشخصي والتطور المستمر، وتذكيرنا بأهمية الاستمرار في توسيع آفاق المعرفة وتحسين عمليات التفكير.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا