
اضطراب نتف الشعر: مفهومه، أعراضه وطرق علاجه
جدول المحتويات
يُعد اضطراب نتف الشعر (Trichotillomania) من الاضطرابات النفسية التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل في أعماقها معاناة شديدة تؤثر على صحة الفرد النفسية والجسدية والاجتماعية. ففي الوقت الذي يُنظر فيه إلى الشعر كجزء من الهوية الجمالية للإنسان، يجد المصابون بهذا الاضطراب أنفسهم في صراع داخلي مستمر يدفعهم إلى نتف شعرهم بشكل قهري يصعب التحكم فيه، رغم إدراكهم للعواقب.
يظهر هذا الاضطراب عادة في مراحل عمرية مبكرة، وقد يرتبط بمشاعر التوتر أو القلق أو حتى كآلية لاواعية للتعامل مع الضغوط. وفي هذا المقال، نسلّط الضوء على طبيعة اضطراب نتف الشعر، أسبابه، أعراضه، أنواعه، وطرق تشخيصه وعلاجه، بهدف رفع الوعي بهذه الحالة وتقديم خطوات عملية لفهمها والتعامل معها بشكل فعّال.
مفهوم اضطراب نتف الشعر
اضطراب نتف الشعر هو اضطراب نفسي يتمثل في سلوك متكرر لنتف الشعر من أجزاء مختلفة من الجسم مثل فروة الرأس، الحواجب، والرموش، مما يؤدي إلى فقدان واضح في الشعر وتأثيرات نفسية واجتماعية. يبدأ عادة في مرحلة الطفولة أو المراهقة (بين 10 و13 عامًا)، ويصيب حوالي 1–4% من السكان، مع انتشار أعلى بين الإناث في سن البلوغ.
طبيعة الاضطراب
يُصنّف اضطراب نتف الشعر ضمن اضطرابات الوسواس القهري المرتبطة (OCD-related disorders) حسب DSM-5. يتميز برغبة ملحّة ومتكررة في نتف الشعر، يعقبها شعور مؤقت بالراحة أو تخفيف التوتر. هذا السلوك ليس مجرد عادة، بل يُعتبر قهريًا، وله تأثير سلبي على الصحة النفسية والجسدية، كما يؤثر على سير الحياة اليومية.
أعراض اضطراب نتف الشعر
- الرغبة القهرية: شعور بتوتر متصاعد يسبق السلوك، يتبعه ارتياح مؤقت.
- فقدان الشعر: ظهور مناطق صلع أو تفاوت في طول الشعر في أماكن مثل الرأس أو الحاجبين أو الرموش.
- السلوك التلقائي أو الواعي: بعض المرضى يقتلعون الشعر دون وعي، بينما يفعل الآخرون ذلك بوعي كامل.
- إخفاء السلوك: غالبًا ما يحدث السلوك في الخفاء، مما يؤدي إلى الخجل وتأنيب الذات.
- عادات مرتبطة: مثل مضغ أو بلع الشعر، وهو ما قد يؤدي لمشاكل هضمية خطيرة كالبازهر الشعري.
- الآثار النفسية: تتضمن القلق، الاكتئاب، الشعور بالدونية، والخجل، والتي قد تؤدي إلى عزلة اجتماعية.
أسباب اضطراب نتف الشعر
- عوامل وراثية وبيولوجية: وجود تاريخ عائلي يزيد من احتمالية الإصابة.
- اختلالات كيميائية عصبية: مثل انخفاض السيروتونين واضطرابات في نظام الغلوتامات.
- نشاط غير طبيعي في دوائر الدماغ: خاصة المرتبطة بالتحفيز والانفعالات.
- آلية للتأقلم مع التوتر: يستخدم نتف الشعر كوسيلة لتخفيف الضغط النفسي أو القلق.
- عوامل اجتماعية ونفسية: مثل التعرض لصدمة نفسية أو بيئة غير مستقرة في الطفولة.
أنواع اضطراب نتف الشعر
- النوع التلقائي (Automatic Pulling): يحدث دون وعي أثناء أنشطة مثل القراءة أو التفكير.
- النوع الموجّه (Focused Pulling): يحدث نتيجة التوتر أو القلق، ويليه شعور بالراحة.
- النوع المختلط: مزيج من النوعين حسب الظروف والمواقف النفسية.
مقال ذي صلة: اعراض الوسواس القهري الجسدية
طرق تشخيص اضطراب نتف الشعر
يعتمد تشخيص اضطراب نتف الشعر على تقييم سريري دقيق يستند إلى معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يتضمن هذا التقييم عدة عناصر أساسية، من أبرزها وجود سلوك متكرر لنتف الشعر يؤدي إلى فقدانه بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى محاولات متكررة يبذلها الشخص للحد من هذا السلوك أو التوقف عنه دون نجاح.
كما يُلاحظ تأثير هذا الاضطراب على الحياة اليومية للمصاب، من خلال شعوره بالضيق أو تراجع في أدائه الاجتماعي والمهني. ويشمل التشخيص أيضًا استبعاد الأسباب الطبية الأخرى التي قد تفسر فقدان الشعر، مثل داء الثعلبة أو نقص الحديد، إلى جانب تقييم أي اضطرابات نفسية مرافقة، كالاكتئاب أو القلق، والتي قد تؤثر على الحالة أو تتفاقم نتيجة لها.
طرق علاج اضطراب نتف الشعر
-
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يُعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر الأساليب النفسية فعالية في التعامل مع اضطراب نتف الشعر. يهدف هذا العلاج إلى مساعدة المريض على فهم العلاقة بين أفكاره ومشاعره وسلوكه، من خلال تحديد المحفزات النفسية والذهنية التي تسبق فعل النتف. فعلى سبيل المثال، قد يكتشف المريض أن لحظات القلق أو الملل أو حتى التركيز الزائد تكون لحظات حرجة تدفعه إلى ممارسة السلوك القهري. يعمل المعالج من خلال الجلسات على إعادة بناء هذه الأفكار بطريقة أكثر توازنًا، وتطوير مهارات صحية للتعامل مع الضغوط، مما يساعد على تقليل توتر المريض وتعزيز قدرته على التحكم في رغبته الملحّة لنتف الشعر.
-
تدريب عكس العادة (HRT)
تُعتبر تقنية تدريب عكس العادة جزءًا أساسيًا من العلاج السلوكي، وهي تركز على استبدال سلوك نتف الشعر بسلوك آخر لا يتسبب في ضرر. يبدأ هذا التدريب بزيادة وعي المريض بالسلوك من خلال تتبعه وتسجيل توقيت حدوثه، والمواقف التي يكثر فيها. بعد ذلك، يتعلم المريض استجابة بديلة، مثل الضغط على كرة مطاطية، أو لمس مادة ناعمة، أو تشبيك اليدين، ليحلّ هذا الفعل مكان عادة النتف. مع الممارسة، يساهم هذا الأسلوب في كسر الحلقة القهرية وتحقيق تحسن تدريجي، خاصة إذا دعمه أفراد الأسرة أو المقربون بالمراقبة والتشجيع.
-
الدعم الأسري والعلاج الجماعي
يلعب الدعم النفسي والاجتماعي دورًا كبيرًا في تحسين نتائج العلاج، حيث يُعد الإحساس بالتقبل والتفهم عاملاً مهمًا في تخفيف الضغط النفسي المرتبط بالاضطراب. في إطار الدعم الأسري، يتم توعية الأسرة بطبيعة اضطراب نتف الشعر، ومساعدتهم على تقديم الدعم العاطفي للمريض دون إصدار أحكام أو إشعاره بالذنب. أما العلاج الجماعي، فيوفّر بيئة آمنة يتشارك فيها المصابون تجاربهم وشاعرهم، مما يقلل من مشاعر العزلة والخجل، ويمنحهم شعورًا بأنهم ليسوا وحدهم، وهو ما يدعم الالتزام بالعلاج ويعزز من فعاليته.
-
العلاج الدوائي
في بعض الحالات، يكون من الضروري استخدام أدوية مساعدة، خاصة عندما يكون اضطراب نتف الشعر مصحوبًا بأعراض قلق أو اكتئاب. تُستخدم مضادات الاكتئاب، مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ودواء كلوميبرامين (Clomipramine)، بهدف تنظيم كيمياء الدماغ المرتبطة بالسلوك القهري والتقليل من الرغبة في النتف. إلى جانب ذلك، أظهرت دراسات أولية فعالية بعض المكملات والأدوية الأخرى مثل N-acetylcysteine، التي تعمل على تعديل مستويات الغلوتامات في الدماغ، ودواء Olanzapine، الذي يُستخدم أحيانًا في الحالات الأكثر تعقيدًا. رغم ذلك، لا تُعتبر الأدوية حلاً نهائيًا، بل مكملًا للعلاج النفسي والسلوكي.
في الختام
اضطراب نتف الشعر هو اضطراب يجمع بين القهر والسلوك التلقائي، ويبدأ غالبًا في سن مبكرة. له آثار نفسية وجسدية واجتماعية كبيرة، ولكن مع التشخيص المبكر والتدخل المناسب (سواء سلوكي أو دوائي أو اجتماعي)، يمكن تقليل الأعراض وتحسين جودة الحياة. فهم الدوافع والمحفزات الفردية يلعب دورًا أساسيًا في وضع خطة علاج فعّالة.
المصادر:
Trichotillomania (hair pulling disorder) – NHS
Trichotillomania (Hair Pulling): What It Is, Causes & Treatment
Trichotillomania (hair-pulling disorder) – Symptoms and causes – Mayo Clinic
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا