تعريف الحدس : هو إحساسنا وإدراكنا للحقيقة بطريقة مباشرة، حتى وإن كان هناك من يحاول تضليل الحقيقة. مهما كان بارعًا، أو كان هناك عدة اختيارات، يتمكن الشخص بواسطة حدسه من اختيار الاختيار الصحيح. هو القدرة على الوصول للحقيقة بدون أن تكون قادرًا على شرح كيف توصلت إليها بطريقة منطقية. الحدس [1] أيضًا شعور غريزي ينتاب مالكه؛ هو دليلك حين تكون تائهًا في مفترق طرق، فيرشدك إلى الطريق الصحيح. الحدس متنوع الأشكال وعلى الرغم من أن هناك صعوبة في فهمه وشرحه، إلا أنه قابل للتطوير.
وهذا يتمثل في مجموعة الخطوات التالية و التي سنقوم بشرحها عبر سايكولوجي دوك …
خطوات لتحسين و تنمية الحدس
ثق بحدسك :
ربما يكون من الصعب الاعتماد على شيء لا نستطيع فهمه وتفسيره بوضوح، والكثير منا لا يفضل أن يبني جميع قراراته على الحدس. على سبيل المثال، عند الرغبة في توظيف شخص ما، يجب أولاً مراعاة مواصفاته المهنية التي تؤهله للعمل. ومع ذلك، عندما ندرس كل الخيارات المتاحة ولا نستطيع التفكير بوضوح، ولا يوجد خيار عقلاني واضح، قد يصبح الحدس هو الأداة المتاحة لنا. في هذه الحالات، يجدر بنا مراعاة النقاط التالية:
– الحدس يمكنه أن يشكل جسراً مباشراً للاتصال بالعقل الباطن، مخزن خبراتنا ومعلوماتنا الغير واضحة على مستوى الوعي الطبيعي. أحياناً، ندرك أموراً مثل لغة الجسد للأشخاص أمامنا بشكل تلقائي دون وعي، وهذا يؤدي إلى حدس يخبرنا إذا كان الشخص مناسباً للوظيفة أم لا. العقل الباطن يلعب دوراً كبيراً في إرسال هذه الأفكار إلى العقل الواعي، الذي بدوره يتعامل معها كيقين.
– بدون الحدس، نصبح أشبه بالحواسيب، نبني قراراتنا على الحقائق وحدها. وأحياناً، قد لا نملك جميع الحقائق لاتخاذ قرار صائب. لذلك، من المفيد أن نعطي لحدسنا فرصة ونثق به، حتى نتمكن من تطويره والتعامل معه بثقة.
– حتى أعظم العلماء، الذين يعتمدون في عملهم بشكل أساسي على المنطق، قد اعتمدوا في اكتشافاتهم العلمية على ومضات من الحدس. مثل إسحاق نيوتن وقصة التفاحة التي ألهمته لاكتشاف قانون الجاذبية، يدل على أن الحدس يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في الوصول إلى اكتشافات عظيمة.
هذه النقاط تشير إلى أهمية الحدس كأداة تكميلية للمنطق والتحليل، خاصة في الحالات التي يصعب فيها الوصول إلى قرار عبر العقلانية وحدها.
اسأل نفسك سؤالاً واستمع إلى أول إجابة تلح على عقلك :
هذا الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض؛ فسوف تجد نفسك محاطًا بالحيرة نظرًا لظهور عدة إجابات تلحّ على ذهنك. لنأخذ مثالًا، كأننا في موعد غداء، وأثناء تصفح قائمة الطعام في محاولة لاختيار ما نرغب فيه، نتجاهل الخيارات الأخرى. لكنك فجأة تصمت وتفكر، ثم تقول لنفسك: “لكنني لم أستعرض بعد كامل القائمة، لعلي أجد خيارًا أفضل.” أو مثلًا، إذا كنت قد اخترت طبقًا معينًا يتعارض مع تفضيلات الشخص الذي معك، فتقول لنفسك: “صديقتي نباتية… سأبدو فظًا أو غبيًا إذا طلبت شيئًا يتعلق باللحوم.” ثم تعيد التفكير مرة أخرى. لن أطيل عليكم في الحديث عن هذا، لكن مجرد اختيارك لشيء ما قد يبدو مخيفًا. ماذا لو كان اختيارك خاطئًا؟ عليك هنا أن تستمع لحدسك دائمًا وألا تقلق بشأن ذلك؛ لأنك ستكون بخير. فحدسك نابع من عقلك، وعقلك مزود بغريزة البقاء ويعمل بكفاءة عالية، فلن يضرّك بشيء.
مقال ذي صلة: تقدير الذات والثقة بالنفس: المعوقات والعلاج
ممارسة التأمل:
إن تنقية أفكارك من الأمور غير الهامة والمتعلقة بالقلق والتوتر، ستمنحك فرصةً أكبر للاستماع إلى صوتك الداخلي؛ الحدس [2]. وسوف تتمتع بتفكيرٍ واضح ومزيدٍ من الراحة والطمأنينة. لذا، عليك أن تجد الطريقة التي تشعرك بأكبر قدرٍ من الراحة مقارنةً بغيرها، وأن تبدأ بممارستها بشكلٍ يومي.
استمع إلى أمعائك :
ربما تندهش من هذه العبارة، لكن هناك مثلًا أمريكيًا شهيرًا ينصح: “استمع إلى أمعائك”. ويكمن وراء هذا المثل دلالة واضحة، أي استمع إلى شعورك الغريزي. أحيانًا، تبعث القرارات التي تعرف يقينًا أنها كانت خاطئة، شعورًا بالانزعاج وعدم الراحة في منطقة المعدة! المقصود هنا، بالطبع، هو شعورك الغريزي بأن القرار كان خاطئًا، ومع ذلك، قمت باتخاذه. أليس هذا غريبًا إلى حد ما؟
استمع وتحدث إلى عقولك المتعددة:
مفهوم “العقول المتعددة” يشير إلى ثلاثية العقل، القلب، والأمعاء (أي الغريزة). الأبحاث العلمية في مجال الأعصاب قد أثبتت أن للإنسان عدة “عقول” تتمثل في العقل، القلب، والأمعاء، وكل واحد من هذه الثلاثة يحتوي على جزء كبير من الذاكرة والذكاء. عندما يشعر أي منها بأن هناك خطأ ما، فإنه ينبهك من خلال المشاعر والأحاسيس الباطنية والرسائل. يمكن التواصل مع هذه “العقول” من خلال لغة بسيطة جدًا مثل الصور، اللمس، والشعور الذي يطفو فوق كل شيء، أو ما أسميه “الشعور الطاغي”. أحيانًا، تعطينا بعض الأشياء في حياتنا إحساسًا بالخوف أو العصبية، في وقت نكون فيه أقل استعدادًا لتقبل ذلك. وهنا تظهر المشاعر التي تجعلنا ندرك أن ما نحن بصدد القيام به قد لا يكون في صالحنا، وبذلك نتجنب أي فعل خاطئ أو قرار غير صائب ونحمي أنفسنا. هذه البديهيات هي الحدس الذي يكشف لنا الحقيقة.
احتفظ بنوتة ” دفتر ” صغيرة :
كل يوم، كلما داهمت ذهنك فكرة ما بشأن شيء معين، احرص على كتابتها. قل، مثلاً، “أشعر بـ…” أو “لديَّ حدس بأن…”. لا تتفاعل مع هذه الفكرة؛ بل فكر فيها ودوّنها، مع التركيز على حالتك النفسية، مثل ربطها بشعور معين أو برؤية خاصة أو شعور نفسي بعدم الراحة. سجل كل هذه التفاصيل في مفكرتك، وعندما تحلل هذا الحدث، ستجد أنه صحيح. وإذا لم تتمكن من تحليله، اتبعه وسجل النتائج الخاصة بكل حدث. بالرجوع إلى هذه المفكرة، استعرض كم مرة كنت على حق حين اتبعت حدسك. ستعزز الثقة بنفسك، وثقتك بحدسك ستتنامى تلقائيًا. وبمرور الوقت، سيصبح حدسك هو مرشدك وقائدك نحو الطريق الصحيح.
كن مبدعًا
كن مبدعًا في تعاملك مع الحدس، فهو ينبع من الفص الأيمن للدماغ، الذي يعد مصدرًا للإلهام والإبداع والتخيل والتعبير، وغير ذلك. بتنمية هذا الفص، تنمي حدسك أيضًا. لذا، كن مبدعًا في استخدامك للتخيل، سواء كان ذلك من خلال الرسم، التأمل، الاستماع إلى الموسيقى، أو غيرها من الأنشطة التي تحفز الفص الأيمن من الدماغ. هذه الأنشطة ليست فقط وسائل للتعبير عن الذات، بل هي أيضًا قنوات لفتح بوابات الحدس وتعزيزه، مما يمكنك من تحقيق إدراكات أعمق وأكثر إبداعًا في مختلف جوانب حياتك.
في ختام هذا المقال، نجد أن الحدس ليس مجرد شعور غامض ينبغي تجاهله [3]، بل هو بوصلة داخلية قوية ترشدنا نحو القرارات الصائبة وتعزز من قدرتنا على التنقل في عالم مليء بالغموض والتحديات. تنمية الحدس لا تتطلب منا سوى الإصغاء بعمق لأصواتنا الداخلية والثقة بالفص الأيمن من أدمغتنا، مصدر الإلهام والإبداع. سواء كان ذلك من خلال التأمل، الرسم، الموسيقى، أو أي شكل آخر من أشكال التعبير الإبداعي، فإن تعزيز حدسنا يعني تعزيز اتصالنا بأنفسنا وبالعالم من حولنا. دعونا نحتضن هذه الهدية الطبيعية بقلوب مفتوحة وعقول واعية، مستكشفين بذلك مسارات جديدة نحو الوعي الذاتي والإنجاز.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا