على رغم نقد نظرية التحليل النفسي للعالم فرويد ” سيجموند فرويد ” إلا أن للنظرية أهمية كبيرة، وذلك لسبقها التاريخي وأثرها الكبير الذي تركته في المجال، حيث ينسب لفرويد اكتشاف اللاشعور برغم أن هناك بعض العلماء عرفوه قبله، ولكنه وصفه وصف تفصيلي ودقيق على عكس أي عالم آخر، حيث تصور أنه خزان مليء بالرغبات الجنسية لم تتحقق منذ الطفولة، وأكتشف ذلك أثناء علاجه لمرضاه بالتنويم المغناطيسي الذي يجعل المريض يفرغ كل ما بداخله من انفعالات وآلام بدون وعي، ورغم ذلك تعرض لنقد نظرية التحليل النفسي، لكنه أكمل مسيرته ولم يهتم كثيراً، إلا أن ما توصل إليه في علم النفس جعله هو المؤسس لمدرسة التحليل النفسي.
مفهوم نظرية التحليل النفسي
أفترض فرويد في نظرية التحليل النفسي[1] أن العصب أصله تجارب قديمة مؤلمة حدثت للمريض في الماضي كان معتقد أنها خفيت من الوعي ونسيت، لذلك كان يعالج المريض بتذكيره بتفاصيل التجربة وتحضيرها في الوعي مرة أخرى، ويجعله يواجهها عاطفياً وفكرياً، وأعتقد أن بهذه الطريقة يتخلص المريض من الأعراض العصبية.
الهو والأنا والأنا العليا:هذه هي الأجزاء الأساسية لشخصية الإنسان، وكل جزء له دور معين كما يلي:
الهو: وهو الجزء المسئول عن الغرائز الجنسية والعدوانية، وهو غير عقلاني ويعمل فقط للوصول لنتيجة معينة سواء لذة أو ألم.
الأنا: هو الجزء الذي يضع به الشخص الخطط المرضية لغريزته، ويقيم العالم من حول سواء الاجتماعي أو المادي.
الأنا الأعلى (الضمير): هو صوت الضمير المرشد للأنا، وإذا لم يسمع لهذا الجزء يشعر الشخص بالقلق والذنب بعد ارتكاب الفعل.
أعتقد فرويد أن جزء الأنا العليا يتكون في الخمس سنوات الأولى من عمر الإنسان، ويشكل على أساس المعايير الأخلاقية للوالدين، ويستمر تأثيره فيما بعد بمن حوله.
أفترض فرويد أن الطاقة النفسية هي القوة المحركة لكل العمليات العقلية، والرغبة الجنسية عبارة عن طاقة نفسية متحكمة في الأعمال البشرية وعندما واجهت الرغبة الجنسية من قبل ثاناتوس أصبحت غريزة الموت هي المتحكمة في السلوك المدمر.
نظرية الأسطورة اليونانية لأوديت تتحدث عن شخص قتل والده حتى يتزوج من والدته، حيث أقترح فرويد من خلالها أن كل طفل ينجذب جنسياً لأحد والديه من الجنس الآخر، ويتنافس مع أحد والديه من نفس الجنس كجزء أساسي من عملية النمو.
أعتقد فرويد أن الإنسان يحلم لسبب ما، وأن العقل يتعامل بلا وعي أثناء النوم وأحلامه تتغذى على رغباته، ويعتقد أن الأحلام والذكريات تؤثر بدون وعي على مشاعرنا وسلوكنا، لذلك أوضح كيفية فهم الأحلام في كتابه الشهير “تفسير الأحلام”.
تأثرت نظريات فرويد بالاكتشافات العلمية الحادثة في عصره، حيث قاما تشارلز داروين وهيرمان فون بانتقاده بعد صياغتهم لمبدأ يشير أن الطاقة ثابتة في أي نظام مادي، ورغم ذلك لم يؤثر شخص في مجال علم النفس مثلما أثر فرويد.
مقالات ذي صلة : الكتمان في علم النفس | علاماته، أسبابه، كيفية علاجه
نقد نظرية التحليل النفسي
فيما يلي اهم النقاط في نقد نظرية التحليل النفسي[2]:
- أعتبر خبراء علم النفس أن مفاهيم نظرية التحليل النفسي دعوى صريحة للانغماس في الشهوات والغرائز بدون سيطرة عليها، وهناك أراء كثيرة للعالم فرويد تخالف الديانات السماوية وكل ما بها من قيم وأخلاق نبيلة، واتضح في نظرية التحليل النفسي دعوى تحررية صريحة، لذلك ظهر بعدها نزاعات كبيرة تدعو إلى نبذ الآخرين وعشق الذات في أوروبا.
- قابلية التفنيد والدحض: نظرية التحليل النفسي لم تستند على أي أساس علمي، فأقل الأشياء الحادثة في الكون لا نستطيع تحديدها، هل سنستطيع معرفة أصل قرار ما أخذه الإنسان؟.
- نظرية أينشتاين التي تتحدث عن جذب الضوء للأجسام الضخمة أثبتت صحتها عند مراقبة العلماء لضوء النجوم المقتربة من الشمس في وقت الكسوف والمغيب، وذلك على خلاف نظرية التحليل النفسي التي لم يتأكد من صحتها حتى الآن، فهي عبارة عن أفكار ومفاهيم أقرب للخرافة، لذلك يصدقها أصحاب معتقد أو أسطورة معينة.
- التعمق في اللاوعي: اللاوعي هو الأساس في مفهوم التحليل النفسي، ونقد نظرية التحليل النفسي في المبالغة في التحدث عن اللاوعي واعتباره هو الأساس في كل تصرف وسلوك يفعله الإنسان.
- روى العالم ألبورت أنه عندما التقى بفرويد في القطار كانوا لا يتحدثان ولكي يكسر الصمت بينهم حكى له عن طفل يعرفه كان يحرص على نظافته ولا يقترب من شخص متسخ واكتسب هذه الصفة من والدته، فسأله فرويد عن إذا كان هذا الطفل هو أم لا؟، لذلك رأى ألبورت أن فرويد كان يبالغ لأنه كان واعي لما يتحدث عنه، معنى ذلك أن نظرية التحليل النفسي تقوم على الحدث فقط بدون منهجية علمية، وأي نظرية لا تقوم على منهجية علمية لا يعتد بها.
- الخلفيات الروحانية والدينية: بعض من نظريات فرويد كانت بها خلفيات ومعتقدات مستمدة من الدين اليهودي رغم ألحاده، وحسب ما يقوله العالم يونغ أن من يريد التعمق في علم النفس يترك دينه وشهادته ودراساته جانباً، ومن ثم يفكر في العالم من حوله، ينطبق ذلك على العالم ألفرد أدلر، حيث اعتنق الديانة المسيحية بعد تخليه عن الديانة اليهودية، وظل ينسج نظريات من الديانة المسيحية بشكل مثالي وبدون أي منهج علمي، مما جعله عالم مميز للمسيحيين المتدينين فقط.
إيجابيات نظرية التحليل النفسي
- تعد نظرية التحليل النفسي هي البداية في وضع منهجية تفسر السلوك الإنساني، ومن خلال مبادئها قامت بعلاج إشكاليات كبيرة في علم النفس.
- رغم نقد نظرية التحليل النفسي إلا أنها مهدت الطريق لعلماء علم النفس لوضع أساسيات منطقية وصحيحة لتوجيهات وسلوكيات البشرية.
- استفادت مدارس بعدها من تلك النظرية، مثل المدرسة الوظيفية، المدرسة البنائية، مدرسة فيينا الوضعية، مدرسة بادوفا، مدرسة الجشطلت، مدرسة علم النفس الإكلينيكي، وغيرهم، رغم ذلك حدث نقد نظرية التحليل النفسي بعد تطور العلم.
افتراضات مدرسة التحليل النفسي
يتفق أصحاب مدرسة التحليل النفسي مع أصحاب المدرسة الغرضية في أن الدافع الأساسي للسلوك البشري هي الغرائز، ويختلفون مع بعضهم في عدد الغرائز، حيث قسمها التحليل النفسي لغريزتين فقط، وهما:
- غريزة العدوان أو الموت.
- الغريزة الجنسية (غريزة أساسية لكل شخص في الحياة).
رائد مدرسة التحليل النفسي هو العالم فرويد، وتحدث بها عن الديناميات اللاشعورية واللاشعور، وبعد تعمقه في علم النفس أكتشف التداعي الحر والتنويم المغناطيسي وتفسير الأحلام الغريبة.
رأى فرويد أن المحرك الأساسي لسلوك الإنسان هو غرائزه الفطرية اللاشعورية المكبوتة بداخله على شكل مخاوف وأفكار ورغبات مختلفة، ثم وضع خريطة تكون شخصية الإنسان عبارة عن 3 عناصر، هما (الهو، الأنا، والأنا الأعلى).
الهو: هو الأساس للغرائز البشرية.
الأنا: هو الطبقة الفاصلة بين عنصر الهو وعنصر الأنا الأعلى (الشخص نفسه).
الأنا الأعلى: هو الرقيب على الفرد لكي لا تسيطر عليه غرائزه (الضمير)، فإذا صعدت الغريزة إلى الهو يتم إشباعها بدون سيطرة أو نظر لاعتبارات دينية وأخلاقية.
يعد كتاب تفسير الأحلام للدكتور فرويد من أفضل الكتب التي وضع بها تفسير مفصل لأحلامه الشخصية وتحدث عن أهم رموز الأحلام، وأن كل حلم له قراءة معينة وأدب ونحو ورأى أن الحلم كثير في بلاغته قليل في نحوه، قد أبدع في تصوير الحلم بهذا الكتاب الرائع.
نهضت مدرسة التحليل النفسي على يد الدكتور فوريد، لأن تطوره في علم النفس جعله يتحدث تفصيلياً عن الطاقة النفسية وتحليل دقيق للأحلام والأمراض النفسية بأنواعها، وسوف نتحدث عن أسس نظريته ونقد نظرية التحليل النفسي.
نبذة مختصرة عن مؤسس مدرسة التحليل النفسي فرويد
ولد العالم فرويد في مدينة فرايبورج لأبوين يهوديين، وانتقلت أسرته بعض فترة إلى ألمانيا، وظلت فترة طويلة هناك، وبعدها توجهوا لمدينة مورافيا في النمسا.
نشأ فرويد على يد امرأة عجوز متشددة وكانت حاملة للديانة المسيحية، وظهر في كتاباته كرهه الشديد للديانة المسيحية بسببها، وفضل الديانة اليهودية ولم يضع ثقته إلا باليهود.
كانت دراسته الجامعية في مدينة فيينا بعام 1973م، وظل شعوره بالاضطهاد يلازمه طوال حياته حتى بعد تخرجه ووصوله لمناصب عالية بسبب تعرضه لانتقادات كثيرة لأنه يهودي.
ألف الكثير من الكتب الأخرى والتي كانت الأساس في مدرسة التحليل النفسي، وألقى محاضرات في أماكن عديدة حتى تأثر به معظم محللي أوروبا النفسيين.
بسبب تطوره في المجال أصبح له تلاميذ يتعلمون الكثير على يديه، منهم: كارل جوستاف يونج، فرنز ولتز وولهلهم ستكل، ألفرد أدلر، لارنست جونز، وأوتو رانك.
طور مدرسة التحليل النفسي من بعده إبرام كاردينر، هاري ستاك سليفان، كارن هورني، واريك فريك، وهم أول من قدموا نقد نظرية التحليل النفسي ليطوروا منها ويضعوا بصمتهم في مجال علم النفس.
في ختام مقالنا عن نقد نظرية التحليل النفسي
في استنتاج هذا النقاش حول نقد نظرية التحليل النفسي للعالم فرويد، يظهر أن الآراء حول هذه النظرية تتنوع بشكل كبير. فقد قدم فرويد إسهامات هائلة في فهم العقل البشري والديناميات النفسية، ومع ذلك، بقيت نظريته موضوع نقاش وتحليل.
تتطلب فهم نظرية التحليل النفسي منا أن نكون مفتوحين للتفكير والبحث، حيث يمكن أن يقدم هذا النهج وجهات نظر متعددة لتفسير الظواهر النفسية. يُشجع علينا أن ننظر إلى مفاهيم فرويد بروح من التحليل النقدي والتفكير البناء، مع الاعتراف بأهمية تطور العلوم النفسية وتطور الثقافة في تشكيل رؤيتنا الحالية.
بصفة عامة، يبقى إرث فرويد تحديًا مثيرًا للأفكار، ومن خلال فحص واستيعاب مفاهيمه بروح من التفتح، يمكننا أن نستمد تفهمًا أعمق للطبيعة البشرية وتأثيرها على الثقافة والتاريخ.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا