مظاهر الصحة النفسية هي معيار ومؤشر هام للحكم على مدى الاتزان النفسي للفرد، والتي تظهر من خلال السلوكيات التي يقوم بها في المواقف الحياتية المختلفة، وكذلك من خلال انفعالاته وتفاعلاته مع المحيطين به.
فتمتع الشخص بصحة نفسية سوية واتزان نفسي يجعله شخص متفائل منظم الأفكار يمتلك الوعي الكافي بذاته، وأيضا إيجابي التفاعل مع كل ما يدور حوله من مواقف وأشخاص، ذو نظرة متزنة.
مفهوم الصحة النفسية بشكل عام
الصحة النفسية[1] هي تصور متكامل لمدى سلامة الفرد عاطفياً وعقلياً وجسدياً وأجتماعياً، وتظهر من خلال سلوكيات الفرد عند تعامله في حياته مع كل المواقف والأشخاص المحيطين به ويؤدي غيابها إلى إضطرابات سلوكية واجتماعية وذاتية، بل ويظهر أثرها في النواحي الجسدية والعقلية أيضاً.
و الصحة النفسية من وجهة نظر المدرسة السلوكية تعني قدرة الإنسان على إنتقاء سلوكه بما يتناسب مع موقف معين يواجهه، وتفاعله معه مستخدماً خبرته السابقة، فالإيجابية والمرونة والتفاؤل و الإتزان والقوة والمواجهة والإستمتاع بالحياة هي مظاهر الصحة النفسية السليمة، أما التردد والسلبية والجمود والتشاؤم والاضطراب والعشوائية والهروب من الحياة وصعوباتها جميعها تمثل مؤشر قوي على إضطراب واعتلال نفسية الفرد.
مظاهر الصحة النفسية Mental health aspects
فيما يلي أهم مضاهر الصحة النفسية[2]:
- تكوين شبكة علاقات اجتماعية سليمة: لا يستطيع الإنسان أن يعيش منعزلاً دون التفاعل مع المجتمع المحيط به منذ ميلاده وحتى مماته، فحياة الإنسان رحلة مليئة بالعلاقات والتفاعلات الإنسانية، ويتم ذلك من خلال شبكة تفاعل مع الآخرين ومن خلال سلوكيات تُظهر مدى صحة الفرد النفسية أو اضطرابها. وتتمثل شبكة العلاقات الإجتماعية للفرد في علاقته مع أسرته و عائلته وأصدقائه وزملائه وغيرها الكثير من العلاقات.
- التفاعل الإيجابي مع الأخرين: حيث يتعامل الشخص خلال حياته مع عدد كبير من الأشخاص، فيتفاعل مع كل منهم حسب ظروف الموقف الذي يمر به، ويدل مدى تفاعله بإيجابية ووعي في هذه المواقف المختلفة على مدى صحته النفسية أو أعتلالها.
- الثبات النفسي كمظهر من مظاهر الصحة النفسية: حيث يُمثل الاضطراب والتذبذب في مواجهة المواقف المختلفة التي يمر بها الفرد خلال حياته مظهر من مظاهر الخلل النفسي، ذلك وتنعكس الصحة النفسية للفرد من خلال ثباته وقوته في التعامل مع مثل هذه المواقف.
- الواقعية والحكمة في الاختيارات الحياتية: وذلك بما يحافظ على صحة الفرد النفسية فلا يصطدم بسلبيات الواقع، فيظل قادراً على التعامل معه بصورة سوية كمظهر من مظاهر الصحة النفسية للفرد والتي تؤهله لبناء مجتمع سوي.
- التفاؤل والتفاعل مع الحياة بإيجابية: من أبرز مظاهر الصحة النفسية التي تظهر خلال حب الفرد لأن يحيا حياة سعيدة، وبحثه عن كل ما يسبب له الراحة والرفاهية، وكذلك الإقدام على الحياة بعكس من يعاني من اضطرابات نفسية نجده عازفاً عن الحياة يهرب من مواجهة أي تجارب أو مشكلات حتى وإن كانت بسيطة.
- التفاعل في بيئة العمل: الحياة العملية للفرد مجتمع كبير مليء بالتحديات ويحتاج إلى ثبات وحكمة عند التعامل معه، والصمود أمام الضغوط والصعوبات التي تواجهه في حياته العملية، وهو ما يحدد نفسية الفرد السوية أو المضطربة.
- الثبات أمام المشكلات والصعوبات: تواجه الفرد في حياته العديد من الصعوبات والمشكلات والتي لا يخلو منها جانب من جوانب الحياة الانسانية ومدى ثبات الفرد أمام هذه التحديات دون تهرب هو معيار للحكم على صحة الفرد النفسية.
- الثبات الإنفعالي والعاطفي: من أبرز مظاهر الصحة النفسية التى تُظهر الصحة النفسية للفرد، وذلك من خلال التوسط والاعتدال في إظهار الانفعالات والعواطف في أي موقف من المواقف المختلفة التي يمر بها دون مبالغة أو جمود.
- تحقيق قدر من الحياة المنظمة والمرتبة: في جميع الجوانب والتمتع بقدر من التفكير الدقيق المنظم، فينعكس على حياته العلمية والعملية مما ينتج عنه فرد ناجح ومميز.
- تبادل مشاعر الحب السوية مع المحيطين به: فالشخص السليم نفسياً يستطيع أن يحب ويشعر بالحب من كل المحيطين به ويبادلهم نفس الشعور في علاقة حب وود متبادلة، وهو شخص متسامح ومتصالح مع نفسه ومع الأخرين.
- الوعي والإدراك: بكل ما يدور حول الفرد من أحداث وتطورات وعلاقات، ومواكبة تطورات هذه العلاقات والتغيرات التي تطرأ عليها للتعامل معها بالطريقة المناسبة لها كمظهر من مظاهر الصحة النفسية.
- العقلية السوية المتزنة: والتي تظهر من خلال تفوق الفرد الدراسي وذكائه في تحصيل المعلومات وتحليلها والقدرة على التفكير العلمي دون تشتت.
مقومات مظاهر الصحة النفسية سليمة
- المجتمع الأسرى: من أهم المؤثرات التي تلعب دور هام في صحة الإنسان النفسية، وكذلك في تكوين شخصيته وتشكيل تفاعله وسلوكه في الحياة، البيئة الأسرية السوية تبني شخص ذو نفسية قوية وصحية.
- بيئة العمل: يعكس الجو العام الذي يسود عمل الفرد ومدى توافقه مع نوع هذا العمل الذي يقوم به صورة كبيرة عن صحته النفسية والعقلية أيضاً، وكذلك فإن النفسية السوية تنعكس على أداء الشخص وتطوره في عمله.
- الإيمان: يمثل جانب إيجابي قوي من الجوانب التي تدعم صحة الإنسان النفسية فتجعله مطمئناً متفائلاً يتفاعل بسلام مع مجتمعه، مؤمنا بما كُتب له.
- الدوافع الشخصية: لكل سلوك يقوم به الإنسان دافع قوي يوجه لأختيار سلوك معين في موقف معين، وتنقسم الدوافع إلى دوافع عضوية مرتبطة بجسم الإنسان أو دوافع بيولوجية مرتبطة بنفسيته أو دوافع عاطفية داخلية، وكذلك هناك دوافع من قيم ومبادئ الفرد الذي تربى ونشأ عليها وآمن بها.
- المؤسسات التعليمية: فهي بمختلف أنواعها كالمدارس والجامعات تسهم بشكل كبير في تكوين شخصية ونفسية الفرد في جميع مراحل نموه المختلفة، وذلك من خلال تفاعله مع زملائه و معلميه و العاملين في هذه المؤسسات.
- وضع هدف يسعى الفرد إلى الوصول إليه: والعمل على تحقيقه سواء كان هدفا أجتماعياً أو مهنياً أو دراسياً للحصول على نفسية سوية.
- الانتظام بممارسة التمارين الرياضية: والتي تكسب الفرد طاقة ايجابية وصفاء ذهني ونفسي، كما تخلصه من التراكمات النفسية التي تتكون أثناء مواجهته صعوبات ومشكلات الحياة، وذلك بالحصول على قدر من الأنشطة الرياضية المختلفة ولو بقدر بسيط.
- الحصول على تغذية متوازنة: حيث تؤثر على صحة الشخص النفسية بشكل كبير، فقد ثبت تأثير بعض الأطعمة والمشروبات على النفسية إيجابياً كالشيكولاتة والأسماك، وكذلك فبعضها يؤثر بشكل سلبي خاصةٌ عند الإكثار منها مثل المنبهات والمُسكرات الأمر الذي قد يصل إلى الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب والزهايمر والقلق.
بعض اضطرابات الصحة النفسية
يتعرض الإنسان لبعض الاضطرابات النفسية[3] والتي تؤثر في سلوكه ومدى تفاعله الإيجابي مع المحيطين به، والتي تؤثر بشكل كبير في المجتمع ككل.
ومن أمثلة هذه الإضطرابات:
الشخصية المنعزلة:
يدخل مرضى الانعزالية في حالة من الإنطوائية والعزلة عمن حولهم، حتى في حياتهم المهنية يفضلون العمل الفردي و يجدون متعتهم في ممارسة الأنشطة الفكرية التي لا تتطلب الاختلاط بالأخرين.
الشخصية النرجسية:
وسميت كذلك نسباً إلى نركس الشخصية الأسطورية والذي عشق إنعكاس صورته على الماء، ومرضى النرجسية هم أشخاص يضعون أنفسهم في طبقة ومكانة أعلى من الأخرين، وينظرون لمن حولهم بنظرة دونية متعالية.
الشخصية المرتابة:
هي حالة شك وقلق دائم من أي سلوكيات من الآخرين، وبعانون من فقدان الثقة بمن حولهم والتصديق بأن كل من حولهم يحاولون إلحاق الأذى بهم، مما يمثل خطورة على حياتهم الاجتماعية والنفسية.
الشخصية الهستيرية:
وهم أشخاص لديهم نوع من المبالغة الإنفعالية والحساسية المفرطة، وقد يعانون من أعراض لأمراض جسمانية بالرغم من عدم وجود أي سبب عضوي له، فهم فقط يبحثون عن اهتمام الآخرين.
الشخصية الفصامية:
هي حالة يعاني مرضاها من صعوبات في الاندماج بمجتمعهم و يحبسون أنفسهم في عالم خيالي مليء بمخاوفهم، والتي قد تدخلهم في نوع من الاكتئاب المزمن.
الشخصية الاعتمادية:
يعاني مرضى الاضطراب الإعتمادي من عدم الثقة بأنفسهم، والحاجة إلى دعم خارجي في المواقف المختلفة، مما يجعلهم ضحايا لعلاقات استغلالية كثيرة، وهم يميلون إلى الإتكالية.
الشخصية الوسواسية:
هو نوع من الاضطرابات التي تؤدي إلى الرغبة في الوصول إلى الكمال في جميع جوانب الحياة، حتى في أبسط المواقف والسلوكيات، ولذلك يبتعدون عن الأخرين عند القيام بأي نشاط، وقد تزيد هذه الحالة حتى تصل إلى نوع من الوساوس القهرية والاكتئاب.
الشخصية العدائية السلبية:
هم أشخاص يملكون شعوراً قوياً بالحقد والضغينة تجاه الأخرين ولكن لا يظهرون ذلك، ويعملون على إيذاء الآخرين والتنفيس عن هذا الشعور بشكل سلبي خفي.
مقالات ذي صلة : اليقظة الذهنية وعلاقتها بتحسين الصحة النفسية
ويندرج تحت هذه الاضطرابات مجموعة من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والزهايمر وفقد الانتظام الحركي و قصور الإنتباه وفرط الحركة والتوحد والتوتر.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا