متلازمة ستوكهولم هي احدى الاضطرابات النفسية الغير حادة والتي تجعل الفرد يشعر بالحزن والأسى عند تعاطفه مع شخص أو حادث أو شيء معين، وبالتالي متلازمة ستوكهولم هي حالة نفسية من التعاطف، حيث يتعاطف الشخص مع من أساء اليه، أو يعفو بشكل غير مبرر عن شخص أو حادث تسبب له في أذى، فنجد أن من يعاني من هذه المتلازمة يتعاطف مع من يؤذيه بأي شكل من الأشكال، ويتعايش معه دون أي اعتراض.
في هذا الموضوع سوف نتعرف أكثر على هذه المتلازمة من حيث النشأة ، وطريقة وأسباب حدوثها وأهم أعراضها.
نشأة متلازمة ستوكهولم
تم وضع أسس وتفسير علمي لمتلازمة ستوكهولم [1] في سنة 1973م عندما تعرضت مدينة ستوكهولم في السويد إلى حادث سرقة في أحد بنوك المدينة، أثناء عملية السرقة تم احتجاز رهائن في البنك حوالي أربعة رهائن كان من بينهم رجل وثلاث سيدات.
استمرت عملية الحجز للرهائن ما يزيد عن ستة أيام بسبب حصار قوات الشرطة للبنك، وبالتالي لم يجد اللصوص سوى الاحتماء باحتجاز رهائن، وعلى الرغم من أن اللصوص كانوا يتسببون في أذى نفسي وجسدي بالغ للرهائن؛ إلا أنه تم ملاحظة وجود سلوكيات غريبة من الرهائن، حيث بدأوا في إظهار التعاطف مع اللصوص والدفاع عنهم أمام الحكومة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل هاجموا الحكومة السويدية في اجراءاتهم، وطالبوا بضرورة اطلاق سراحهم بعد القبض عليهم، وعلى الرغم من انقاذ الشرطة لهم؛ إلا أنهم رفضوا الادلاء بشهادات ضد اللصوص، وطالبوا بالإفراج عنهم، بل قاموا بجمع مبالغ مالية للدفاع عنهم أمام المحكمة.
بعد هذه الحادثة قام عالم النفس نيلز بيجيروت وهو عالم في تخصص علم نفس الجريمة وكان يعمل أخصائي نفسي في الشرطة السويدية آنذاك، حيث بدأ يربط بين تصرفات ودوافع المخطوفين، وبين ما يعرف بدوافع التعاطف وأسمى هذه الحالة باسم متلازمة ستوكهولم.
كما تلت هذه الحادثة عدة حوادث أخرى بدأت تسلط الضوء على هذه الحالة النفسية منها حادث اختطاف باتي هيرست وهي ابنة لأحد رجال الأعمال الثري في الولايات المتحدة والتي أبدت تعاطف مع الخاطفين وشاركتهم عمليات خطف وسطو فيما بعد، حتى ألقت الشرطة القبض عليها وأخلي سبيلها بسبب اثبات المحامي أنها تعاني من متلازمة ستوكهولم.
كيف تحدث متلازمة ستوكهولم في إطار علم النفس التطوري
على الرغم من أن الأخصائي النفسي نيلز بيجيروت هو أول من وضع هذه التسمية بعد الحادثة الشهيرة؛ إلا أن العالم النفسي فرانك اوشبيرغ بدأ في الاهتمام بتفسير هذه الحالة النفسية ووضع تفسيرات علمية لها، وربطها بشعور الفرد المخطوف أو الذي يتعرض لأذى الى أنه تعرض الى صدمة كبيرة.
وبمجرد أن يقوم الخاطف بمنحه حياة مرة أخرى من خلال تركه، أو معاملته معاملة حسنة، يبدأ الشخص في الامتنان للخاطف على أنه تركه يعيش، ولم يعرض حياته للخطر، فيتعامل معه على أنه منقذه وليس خاطفه.
وتعتبر متلازمة ستوكهولم إحدى طرق ووسائل البقاء على قيد الحياة، فمعظم الحوادث التي لعبت فيها هذه المتلازمة دور، حاولت فيها الضحية دوماً أن تبقى على قيد الحياة، فلم تجد سوء الاندماج وتقبل الجاني أو الخاطف بل وحمل المشاعر الايجابية تجاهه.
أسباب حدوث متلازمة ستوكهولم
تعبر هذه المتلازمة عن مجموعة من الدوافع التي تجعل من الشخص يبدي ولاءه وتعاطفه مع من تسبب له في الاذى سواء كان خاطفاً أو معذباً أو مغتصباً، وكل ما يعبر عن الاذى النفسي والجسدي، هذا التعاطف والولاء يكون بشكل لا منطقي وغير مبرر من قبل مريض المتلازمة.
لمتلازمة ستوكهولم أسباب عدة [2] يمكن تلخيصها في التالي:
- الصدمة النفسية بمجرد تعرض الشخص للخطر سواء خطف أو أذى.
- تأكد الشخص من الموت دون مفر وأنه يتأكد من رغبة ونية الخاطف في قتله.
- ابعاد الرهينة عن باقي الرهائن وتأكده المحتم من الموت أو القتل أو الأذى.
- السلوك الإيجابي واللطيف من قبل الجاني أو الخاطف.
ضحايا هذه المتلازمة من ضحايا حوادث كثيرة مثل الخطف والزواج القسري، والعنف الجنسي، وأسرى الحرب، والعلاقات الأسرية القسرية، كلها تجعل من الضحية غير قادرة سوى على التعاطف مع هذه الظروف ومع من يؤذيها.
وبالتالي هذه السلوكيات والمشاعر الموالية للخاطف أو الشخص المعتدي ما هي وسيلة لنجاة الضحية، وتأقلمه مع هذه الحياة، فيبدأ يرى تصرفات وسلوكيات المعتدي غير مهددة أو مؤذيه له، بل هي تصرفات لطيفة وايجابية.
مقالات ذي صلة: تعرف على متلازمة ليما
أعراض المتلازمة
باعتبارها متلازمة نفسية فهي تتميز بمجموعة من الأعراض والسمات العامة منها:
- إبداء سلوكيات ايجابية ومشاعر تعاكف وولاء للشخص المعتدي من قبل الضحية.
- حمل مشاعر سلبية ورفض تجاه كل من يحاول أن ينقذ الضحية من المعتدي لأن الضحية ترفض أي محاولات لتغيير الوضع، حتى لو ظهرت أمامها فرص للهرب أو الانقاذ.
- تبادل لمشاعر ايجابية بين الطرفين بين المعتدي والضحية.
- القيام بكل السلوكيات والتصرفات التي يقوم بها الضحية لمساندة المعتدي لو تعرض للمسائلة القانونية أو الهجوم.
- السلبية وعدم الرغبة في أي سلوك يحرر الضحية من الوضع الموجود به.
الأعراض بعد انتهاء الصدمة
- معاناة المريض الضحية من بعض المشاعر السلبية بعد انتهاء الصدمة مثل الأرق والكوابيس المزعجة وبعض الهلاوس.
- التقلبات المزاجية الحادة خاصة سرعة الغضب والانفعال وعدم تقبل أي كلام مع المحيطين به.
- التوتر والقلق والاكتئاب بصورة حادة.
- الشعور بالنسيان وفقدان الذاكرة والرغبة في العزلة.
- الشعور بتدني الثقة في الذات وعدم القدرة مرة أخرى على المشاركة في علاقات اجتماعية.
علاج متلازمة ستوكهولم
علاج متلازمة ستوكهولم [3] لا يختلف كثيراً عن علاج جميع الحالات النفسية التي تنتج عن التعرض لموقف سلبي، أو صدمة نفسية، وغالباً ما يكون العلاج النفسي هو أهم طرق العلاج من الحالات النفسية المتوسطة والحادة.
كما أن علاج هذه المتلازمة يحتاج الى الصبر والتعامل الدقيق من قبل الأخصائي مع الحالة، لأن أعراضها تحتاج الى وقت طويل للتعامل معها، ويعتبر العلاج المعرفي والسلوكي من أكثر أنواع وطرق العلاج النفسي فعالية.
يقوم العلاج المعرفي على تغيير الأفكار والصور السلبية المرسخة في ذهن المريض، وتغيير نظرته للحياة ولنفسه، وهنا تكون أهمية تغيير الأفكار القديمة والمترسخة في ذهن المريض، أو مسحها تماماً لاستقبال أفكار جديدة.
كما يحتاج مريض متلازمة ستوكهولم الى تغيير القيم المتعلقة بالخير والشر، والأذى والتعاطف، والولاء والرفض، لأن الصدمة والموقف الذي عاشه يجعله غير قادر على التمييز بين القيم لديه، فيحمل مشاعر الحب والولاء للمعتدي عليه دون أدنى رفض أو كره.
فلابد أن يتأكد المريض أن هذا المعتدي هو معتدي وليس ضحية مثله، وبالتالي تغيير صورة المعتدي أو الخاطف هي خطوة أولى لمرور المريض من عنق الزجاجة، لتبدأ مرحلة التأهيل النفسي والسلوكي، ليتخلص المريض من هذه الأعراض، ويستعيد توازن حياته وأفكاره ومشاعره مرة أخرى.
في الختام
تعتبر هذه الحالة النفسية من الحالات النادرة، والتي لا يمكن توقعها. لكنها تبقى حالة نفسية صعبة يجب التوعية بها والعلاج منها. لهذا يجب علينا أن نقدم الدعم لهؤلاء الضحايا ونحفزهم على حل هذه المشكلة والاعتراف بها.
رجاء ضع تقييمك للمحتوى فهو يساعدنا لفهم جودة عملنا